مقالات

كيف نحقق العفّة في حياتنا؟

المستفاد من آيات القرآن الكريم والروايات الإسلامية أنّ العفّة تعدّ من أعظم الفضائل الأخلاقية والإنسانية، ولا يمكن لأيّ شخص أن يسير نحو الكمال الإلهي من دون التحلّي بها، ونجد في حياتنا الدنيوية أنّ كرامة الإنسان وشخصيته وسمعته رهينة بالتحلّي بهذه الفضيلة الأخلاقية[1]، قال الله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[2].

ولقد تحدّثت الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عن قيمة العفّة، وكونها صفة إنسانية وخلقية ينبغي أن يهتمّ بها الإنسان في تربيته لنفسه، وسلوكه مع الآخرين، وذلك لما يترتّب على سجيّة العفّة من الآثار حتى وضعت العفيف بمنزلة الملائكة، ووصف العفاف بأنّه أفضل من العبادة. عن الإمام علي عليه السلام: “أفضل العبادة العفاف”[3]، وعنه عليه السلام في وصيّته لمحمد بن أبي بكر، لمّا ولاه مصر: “يا محمد بن أبي بكر، اعلم، إنّ أفضل العفّة الورع في دين الله والعمل بطاعته…”[4].

وعنه أيضاً: “ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة”[5]. وهي أفضل شيمة، وعنه عليه السلام: “العفّة أفضل الفتوّة”، وعنه عليه السلام: “زكاة الجمال العفاف”[6]، وعنه عليه السلام: “والعفاف زينة الفقر”[7].

الحثّ على عفّة البطن والفرج
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾[8].

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أحبّ العفاف إلى الله تعالى عفاف البطن والفرج”[9].

وعن الإمام الباقر عليه السلام: “ما عُبد الله بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج”[10].

وعن الإمام علي عليه السلام: “إذا أراد الله بعبد خيراً أعفّ بطنه وفرجه”[11].

فمن الواضح أنّه من أهمّ الآثار التربوية للعفّة حفظ الجوارح عن محارمِ الله، فيحفظ بصرَه عن النّظرِ إلى ما حرّم الله النّظرَ إليه، قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾[12]. وكذلك يحفظ لسانه من الخضوع بالقول، قال جلّ وعلا مخاطبًا نساء النبيّ: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾[13]، ويحفظ سائر جوارحه، وجاء: “لأَن يُطعَنَ في رأسِ أحدِكم بمِخيَطٍ من حديدٍ خيرٌ لهُ مِنْ أن يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ لهُ”[14].

ومن أسباب العفّة الزواج المبكّر، فإنّ إرواء الغريزة مبكّرًا يحول بين المرء وبين المعاصي بتوفيق الله، وفي الحديث: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنّه له وِجَاء”[15].

ومن أسباب المحافظة على العفّة عدم الخلوة بالمرأة الأجنبيّة التي ليست من محارمك، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: “إيّاكم والدخولَ على النّساء”، قال رجلٌ: يا رسول الله، أرأيت الحمو أخو الزّوج؟ قال: “الحمو الموت”، وقال: “ما خلا رجلٌ بامرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما”، ونهى أن يدخلَ الرجلُ على المرأة إلا بمحرم ولا يخلو بها إلّا بمحرم.

ومن أسباب العفّة بتوفيق الله تركُ التبرّج وبقاءُ المرأة في بيتها، إلاعندما يدعو داعٍ إلى أمر ما، يقول جلّ وعلا: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾[16].

أنوار الحياة، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الشيخ الشيرازي، ناصر مكارم، الأخلاق القرآن الكريم، ج1.بتصرف -.
[2] سورة البقرة، الآية 273.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص79، باب العفّة، ح3.
[4] ابن ميثم البحراني، ميثم بن علي، شرح نهج البلاغبة، صححه عدة من الفضلاء، قم، إيران، مكتب الإعلام الإسلامي، 1362ش، ط1، ج4، ص430.
[5] نهج البلاغة، الحكمة 474.
[6] نهج البلاغة، الخطبة 193، والكتاب 31.
[7] التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحكم، تحقيق وتصحيح: رجائي، السيد مهدي‏، دار الكتاب الإسلامي، قم، 1410هـ، ط2، حكمة 582، حكمة 617، حكمة 6.
[8] نهج البلاغة، ج4، حكمة 68.
[9] سورة المعارج، الآيتان 29-30.
[10] ورام بن أبي فراس المالكي الاشتري، تنبيه الخواطر، تهران، دار الكتب الإسلامية، 1368ش، ط2، ج2، ص349.
[11] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص79، باب العفّة، ح1.
[12] التميمي الآمدي، غرر الحكم، ح4114.
[13] سورة النور، الآيتان 30 ـ 31.
[14] سورة الأحزاب، الآية 32.
[15] الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج : حمدي عبد المجيد السلفي، القاهرة، دار إحياء التراث العربي، لا.ت، لا.ط، ج20، ص212.
[16] عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، تحقيق وتخريج وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي، لا.ت، لا.ط، لا.د، ج6، ص169، ح10380.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى