مقالات

كيف نقترب من أمير المؤمنين (عليه السلام)؟

إنَّ عصمة أمير المؤمنين عليه السلام غير قابلة للتقليد؛ وشخصيته ليست شخصيةً قابلة للمقارنة بأي شخص آخر. وإذا ما أردنا أن نقارن أي من الناس العظماء الموجودين في محيطنا وتاريخنا بأمير المؤمنين فمثله كمن يقارن الذرة بالشمس، لا مجال للمقارنة؛ إلا أنّ تلكما الخصوصيتين الموجودتين لديه عليه السلام يمكن تقليدهما واتباعهما. فليس لشخص أن يقول أنه إذا كان لدى أمير المؤمنين الصبر والبصيرة أي اليقظة والصمود فذلك لأنه أمير المؤمنين عليه السلام. على الجميع السعي في هذه الخصوصية ليقربوا أنفسهم من أمير المؤمنين ما أمكنهم ذلك، وبما اوتوا من همّة وعزيمة.

أنظروا إلى حياة أمير المؤمنين خلال فترة النبوة الثلاث وعشرين سنة. فكل الأحداث التي حصلت، سواء في مكة أو في المدينة، وكل تلك المصائب، وكل ذلك التكليف الثقيل والصعب، وكل تلك الأخطار والأشراك، انظروا بأي أدوات طوى أمير المؤمنين عليه السلام، خلال هذه الثلاث والعشرين سنة، هذا الطريق المليء بالمنعطفات، هذا الطريق الصخري الوعر؛ إنها أداة اليقين، أداة المقاومة.

نكتفي بنقل جملة واحدة عنه عليه السلام وهو أصدق من كل شاهد وراوي. يقول: “ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا ومضيًا على اللقم وصبرًا على مضض الألم، وكان الرجل منا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرّة لنا من عدونا ومرّة لعدونا منا”[1].

إنه لأمر صعب جدًا أن يغدو الإنسان في هذه الساحة الصعبة وجهًا لوجه مع أقربائه في سبيل الله.

هذه هي خلاصة حياة أمير المؤمنين خلال فترة ثلاث وعشرين سنة. لم يمر شهر في حياة عائلة أمير المؤمنين- أبناؤه، زوجته- ولم يكن مستعدًا للحرب وغير لابس لامة حربه، وفي معرض الخطر؛ إلا أنّ أمير المؤمنين صبر على كل ذلك، قاوم، واستمر في طريقه إلى أن اخضرّت شجرة الإسلام وقوى عودها وحُفظت.

لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام، بعد حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، خلال مرحلة الخمس وعشرين سنة أيضًا مظهر هذا اليقين الواعي والصبر والمقاومة، وفي كل موقف عندما كان يشخّص تكليفه ويتيقن منه لم يكن يثنيه عنه أي مانع. ففي بداية مرحلة الخمس وعشرين سنة جاء بعضهم إليه عليه السلام وشجعه على الثورة. ولكنه كان قد شخص تكليفه بدقة: “أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة وعرّجوا عن طريق المنافرة وضعوا تيجان المفاخرة” ضعوا جانبًا هذه الأنا (عبادة الأنا)؛ وامتازوا عن هذه القوى. “ماءٌ آجنٌ ولقمةٌ يغصُّ بها آكلها ومجتنى الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه”[2]. اذهبوا وتنحّوا عني؛ فهذه ليست وقيعة ليقع بها علي؛ يعرف علي كيف يتعامل مع أوضاع عالم المسلمين. يعرف ماذا يريد منه الإسلام والثورة، وهو يقوم به بكل قوة واستقامة. ردّ أيديهم إلى نحورهم. ففي البداية لم يبايع، لكن فيما بعد عندما رأى أنَّ الإسلام يريد منه هذا “فأمسكتُ بيدي يدى حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد”[3].

فكان أن وقف خلال فترة الخمس والعشرين سنة إلى جانب الخلفاء وواجه الكفر والمرتدين وحارب الجهل؛ كأي مسلم واعٍ عارف ومقاوم. أمضى هذه المرحلة التي كانت بالنسبة إليه مرحلة صعبة أيضًا. وعندما جاء الناس إليه وشعر أنَّ تكليفه أن ينزل إلى الميدان، نزل. قَبِل بيعة الناس له، واستلم الحكم. أصبح علي بن أبي طالب الذي أمضى عمرًا شاهرًا سيفه لإقامة الحكومة الإسلامية، الآن، على رأس هذه الحكومة، وشعر بأنه أمام واجب ووظيفة جديدة. وهنا أيضًا جاءه أشخاص عديدون؛ قائلين: لا تَعزِل فلانًا، ولا تقف في وجه فلانٍ.

الاستقامة والبصيرة، مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة

[1] (نهج البلاغة، خطبة 56)
[2]نهج البلاغة، خطبة5 .
[3] نهج البلاغة, الرسالة 62.

 

المصدر : شبكة المعارف الإسلامية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى