مقالات

كيف ينبغي أن نقرأ القرآن؟

من الآداب المهمَّة لقراءة القرآن والتي تُكسب الإنسان نتائجَ كثيرةً وفوائدَ لا تُحصى هو التَّطبيق. وكيفيَّتُه أنَّه عندما يتفكّر الإنسان في كلّ آية من الآيات الشّريفة عليه أثناء التفكُّر وبعده أن يُطبّق مفاد هذه الآيات الشّريفة على حاله ونفسه، فيرفع نقصانه بواسطة هذا التطبيق ويشفي أمراضه من خلاله.

وبإمكاننا القول إنّ وظيفة وتكليف القارئ الحقيقي والسالك إلى الله هي أن يعرض نفسه على القرآن الشّريف من خلال تطبيق ما قرأهُ وتفكَّرَ فيه على نفسه. فكما أنَّ الميزان في صحَّة الحديث وعدم صحّته واعتباره وعدم اعتباره في أن يعرضَه على كتاب الله، فما خالف كتاب الله فهو باطل وزخرف وما وافق فهو حقّ. كذلك فإنَّ الميزان في الاستقامة والاعوجاج والشقاء والسعادة هو أن يكون مستقيماً وصحيحاً في ميزان كتاب الله. وكما أنّ خُلق رسول الله هو القرآن فعليه أن يجعل خُلقه موافقاً للقرآن حتَّى يكون مطابقاً لخُلق الوليّ الكامل أيضاً. وأمّا الخُلق الذي يكون مخالفاً لكتاب الله فهو زخرف وباطل. وكذلك جميع معارف الإنسان وأحوال قلبه، وأعمال الباطن والظاهر لا بدّ أن يُطبّقها على كتاب الله ويعرضها عليه حتَّى يتحقّق بحقيقة القرآن ويكون القرآن صورته الباطنية.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: “أنا أول وافد على العزيز الجبّار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثمَّ أمّتي ثمَّ أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي”[1].

وإذا لم يُحيي الإنسان أحكام القرآن ومعارفه من خلال العمل بها والتحقّق بحقيقتها، فإنَّه لن يتمكَّن من أنْ يُجيبَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك اليوم عمّا فعله بهذه الأمانة، لأنّه لا توجدُ إهانةٌ أعظمُ من أن ينبذَ الإنسان مقاصد القرآن ودعواته وراء ظهره. فليس إكرام القرآن وأهله وهم أهل بيت العصمة والطهارة  عليه السلام بتقبيل جلده أو أضرحتهم المطهّرة فقط، فهذه مرتبة ضعيفة من الاحترام والتكريم، وهي تُصبح مقبولة إذا عملنا بأوامره وأوامرهم عليهم السلام، وإلا فهو ضرب من الاستهزاء واللعب.

وقد حذّرت الأحاديث الشّريفة بشدّة من قارئ القرآن الذي لا يعمل به ولا يُطبّقه على نفسه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال في حديث: “من تعلّم القرآن فلم يعمل به وآثر عليه حبّ الدُّنيا وزينتها استوجب سخط الله وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذي ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم، ومن قرأ القرآن وأراد به السمعة والوصول إلى الدُّنيا لقي الله ووجهه عظم لا لحم فيه وزجّه القرآن على قفاه حتَّى يدخل النَّار ويسقط في النَّار مع الذين سقطوا، ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى فيقول: ﴿رَبِّ لِمَ حَشَرْتَني‏ أَعْمى‏ وَقَدْ كُنْتُ بَصيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى﴾[2] فيؤمر به إلى النَّار، ومن قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وتفقّهاً في الدِّين كان له من الثواب مثل جميع ما يُعطى الملائكة والأنبياء والمرسلون، ومن تعلّم القرآن يريده رياءً وسمعة ليُماري به السفهاء ويُباهي به العلماء ويطلب به الدُّنيا بدّد الله عزّ وجل عظامه يوم القيامة ولم يكن في النَّار أشدّ عذاباً منه، وليس نوع من أنواع العذاب إلا ويعذّب من شدّة غضب الله عليه وسخطه، ومن تعلّم القرآن وتواضع في العلم وعلّم عباد الله يريد ما عند الله لم يكن في الجنَّة أعظم ثواباً منه ولا أعظم منزلة منه ولم يكن في الجنَّة منزلة ولا درجة رفيعة ولا نفيسة إلا كان له فيها أوفر النصيب وأشرف المنازل”[3].

طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص600.
[2] سورة طه، الآيتان 125-126.
[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص183.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى