مقالات

نواة المجتمع الإسلامي

إنَّ المسجد يشكّل وجه المجتمع الإسلامي وقلبه. هو وجهه لأنه بقببه العالية ومآذنه المرتفعة يضفي جواً خاصاً في المجتمع ويظهر هوية هذا المجتمع. ومن المشكلات الأساسية في المجتمعات الإسلامية مشكلة ضياع الهوية وإنكار الذات وتقليد الغير، فهذه المآذن والقبب بمجرد وجودها تعطي هوية المجتمع لتلقي بظلال هذه الهوية على الكثير من مسلكيات المجتمع.

وهو قلب المجتمع لأن المسجد هو الذي يضخ في المجتمع أفراداً متدينين صالحين، وهو الذي يقوي شوكة الصلاح ويضعف الفساد.

وقد رأينا بأم العين كيف تحـولت مجتمعـات من الفسـاد إلى الصلاح بمجرد ايجاد مسجد فيها استطاع أن يعطي روحاً جديدة في المجتمع.

لذلك نجد في الروايات الحث على بناء المساجد والتأكيد على ذلك: عن الإمام الصادق عليه السلام: “من بنى مسجداً بنى اللَّه له بيتاً في الجنة، قال: أبو عبيدة فمر بي أبو عبد اللَّه عليه السلام في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجداً فقلت له: جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذلك فقال: نعم([1])”.

وعن النبي الأكرم صلى الله عليه وأله: “من بنى مسجداً ليذكر اللَّه فيه بنى له بيت في الجنة”([2]). فيجب أن تعيش مجتمعاتنا ثقافة بناء المساجد حتى يصبح إيجاد المسجد في المناطق هماً يحمله كل مسلم في قلبه ليبذل طاقاته في سبيل ذلك.

الصلاة في المسجد
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: “ليس لجار المسجد صلاة إذا لم يشهد المكتوبة في المسجد، إذا كان فارغاً صحيحاً”. فهذه الرواية تؤكّد على المسلم وتنبهه إلى ضرورة أداء الصلاة الواجبة في المسجد، وتحث جار المسجد على حضور صلاة الفريضة فيه ما لم يكن معذوراً لمرض أو غيره من الأعذار الشرعية. بل تؤكّد الروايات على أهمية المشاركة في صلاة الجماعة في المسجد، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله: “من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وإن مات وهو على ذلك وكل اللَّه به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له حتى يبعث”.

من هو جار المسجد؟
ربما يتصور البعض أن الجار هو من كان بيته ملاصقاً للمسجد، ولكن الروايات تفسره بأوسع من ذلك بكثير، حيث اعتبرت أن الجيرة تمتد لمسافة أربعين داراً! ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: “حريم المسجد أربعون ذراعاً، والجوار أربعون داراً من أربعة جوانبها”([3]). وبعضها فسرت الجار بأنه من سمع النداء أي الأذان ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، إلا أن يكون له عذر أو به علة، فقيل: ومن جار المسجد يا أمير المؤمنين؟ قال: من سمع النداء”.

فإذا كانت أوقات الصلاة الفريضة ثلاث فهذا يعني أنه سيتردد إلى المسجد يومياً ثلاث مرات، وهذا بالطبع سيعطي المسجد صفة المحورية بالنسبة لحركة الإنسان المسلم.

لا تهجروا المساجد
يقول الإمام الخميني قدس سره: “لا تهجروا المساجد فإن ذلك هو تكليفكم”([4]).

إذا كان المسجد هو محور حركة الإنسان المؤمن الرسالي فهجره والتخلي عنه يعني تفكك نواة الإسلام وتشتت المجتمع الإسلامي، وهو من أخطر الأمراض الداخلية التي يمكن أن يبتلى بها المجتمع الإسلامي، حتى اعتبر الإمام الخميني قدس سره أن بقاء الإسلام يعتمد على حفظ دور هذه المساجد! يقول الإمام الخميني قدس سره: “إن حفظ المساجد من الأمور التي يعتمد عليها وجود الإسلام اليوم”([5]).

وهذا ما أشارت إليه الروايات أيضاً، فعن الإمام الصادق عليه السلام: “شكت المساجد إلى اللَّه تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها، فأوحى اللَّه عزَّ وجلَّ إليها: وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة، ولا أظهرت لهم في الناس عدالة، ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي”.

فعدم قبول الصلاة وعدم نيل الرحمة يشير إلى أن أعمالهم تفقد قيمتها وهي بالتالي تفقد آثارها المرجوّة، فتصبح أعمالهم ــ وإن كثرت ــ لا ثمار لها على المستوى الإستراتيجي وإن فرض ظهور بعض الثمار المرحلية لها، وهذا يعني ضياع المجتمع الإسلامي وتفككه بشكل تدريجي.

والنعمة إذا وجدت ولم يعطها الإنسان حقها ولم يستفد منها تحولت إلى نقمة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: “ثلاثة يشكون إلى اللَّه عزَّ وجلَّ: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه”.

أجارنا اللَّه من شكوى المساجد ونعوذ به أن تكون المساجد خصيماً لنا يوم القيامة!

المسجد أهميته ودوره في الإسلام.


([1]) الكافي ــ الشيخ الكليني، ج3، ص368.
([2]) روضة الواعظين، ص337.
([3]) وسائل الشيعة، جزء 3، صفحة 478.
([4]) الكلمات القصار، ص64.
([5]) الكلمات القصار، ص65.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى