مقالات

طوبى لأهلِ المسجد

عنْ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآلِه): «في التوراةِ مكتوب: إنَّ بيوتي في الأرضِ المساجد، فطوبى لعبدٍ تطهَّرَ في بيتِه، ثمَّ زارَني في بيتي، ألَا إنَّ على المزورِ كرامةَ الزائر، ألَا بَشِّرِ المشّائينَ في الظُلُماتِ إلى المساجدِ بالنورِ الساطعِ يومَ القيامة»[1].

تُشكِّلُ المساجدُ العلامةَ البارزةَ للمجتمعِ الإسلاميّ، فهي بعمرانِها المادِّيِّ والمعنويِّ معاً تعكِسُ علاقةَ المجتمعِ بخالقِهِ وبارئِه. وللمساجدِ أبعادُها في الرؤيةِ الإسلاميَّة، والّتي أشارَ إليها الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) في العديدِ مِنَ المواطن؛ ونشيرُ هنا إلى بعضٍ منها:

1. المسجدُ مُنطَلَقُ السيرِ إلى اللهِ عزَّ وجلّ: فالمساجدُ هي الأماكنُ الّتي يجتمعُ فيها الناس، وهي مِنْ إبداعِ الإسلام. يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «إنَّ إطلاقَ ظاهرةِ المسجدِ في قِبا أوّلاً، ثمَّ في المدينة، كانَ مِنْ أجملِ وأعمقِ إبداعاتِ الإسلامِ في بدايةِ تأسيسِ المجتمعِ الإسلاميّ؛ بيتُ اللهِ وبيتُ الناس، خَلْوَةُ الأُنسِ مَعَ الله، وتجلِّي الحشرِ مَعَ الناس، قُطْبُ الذكرِ، والمعراجُ المعنويّ، ومَيدانُ العِلم والجهاد والتدبيرِ الدنيويّ، مكانُ العبادةِ، ومَقَرُّ السياسة؛ ثنائيّاتٌ مترابطةٌ تُظهِرُ صورةَ المسجدِ الإسلاميِّ واختلافَهَ عنْ أماكنِ العبادةِ الشائعةِ في الأديانِ الأخرى».

كما يؤكِّدُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) أنَّ للمكانِ دوراً في الإمساكِ بالقلوب، والأخذِ بها إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، فيقول: «تُقامُ هذه التجمّعاتُ في أماكنَ مِحوَرُها إقامةُ الصلاة. هذا شيءٌ مختلفٌ جدّاً. عندما يُعقَدُ الاجتماعُ حولَ محورِ الصلاةِ وذكرِ الله، فسوفَ يكونُ له معنىً آخرُ واتجاهٌ آخر، ويَأخذُ القلوبَ نحوَ جهةٍ مختلفة؛ كانَ هذا إبداعَ الإسلام».

2. المسجدُ منطَلَقُ السيرِ نحوَ بناءِ الحياةِ الصالحة: فلا ينحصرُ دورُ المسجدِ في العبادة، وهذا ما يجعلُهُ مختلفاً عنْ أماكنِ العبادةِ في الأديانِ الأخرى، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «نَعَم، المَعْبَدُ شيءٌ موجودٌ في الدياناتِ كلِّها -يجتمعونَ هناكَ، ويمارسونَ عباداتِهم- لكنَّ المسجدَ يختلفُ عَنِ المعابدِ المسيحيّةِ واليهوديَّةِ والبوذيّةِ وبعضِ الأماكنِ الأخرى الّتي شاهدناها أو سمِعْنَا بها؛ إذِ الرسولُ الأكرمُ (صلَّى اللهُ عليه وآلِه) لمْ يكنُ يذهبُ إلى المسجدِ لأداءِ الصلاةِ فقطْ ثمَّ يخرُج؛ فحينَ كانَ يحدُثُ حدثٌ مهمٌّ يجبُ أنْ يجتمعَ له الناس، كانوا ينادُون: الصلاةَ جامعةً؛ أي توجَّهوا إلى مكانِ الصلاة، لماذا؟ لأجلِ أنْ نتشاورَ في قضيَّةِ الحرب، أو نُخبِرَ بشيء، أو نتعاون، أو نعبِّئَ الإمكانيّاتِ وسائرَ الأمور. وأنتُم تلاحظونَ -في تاريخِ الإسلام- أنَّ المساجدَ كانتْ مراكزَ للتعليم. فنحنُ نسمعُ ونقرأُ في الرواياتِ أنَّ المسجدَ الحرامَ أو مسجدَ النبيِّ كانَ يَشهَدُ حلقاتِ دروسِ زيدٍ وعمرٍو وبكرٍ مِنْ مختلفِ النِحَلِ الفكريَّةِ والمذهبيَّة. معنى هذا مختلفٌ جدّاً عَنِ الكنيسةِ أو الكنيستِ اليهوديّ، حيثُ يذهبونَ هناك ليَعبدوا فقطْ، ثمَّ ينصرفوا. المسجدُ مقرٌّ، وهو مقرٌّ قائمٌ حولَ محورِ الصلاةِ وذكرِ الله».

3. المسجدُ منطَلَقُ المقاومة: وهي المقاوَمةُ بأنماطِها كلِّها، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «المسجدُ نُواةُ المقاومة، غايةُ الأمرِ أنَّهُ مركزُ المقاوَمةِ بأنواعِها المختلفة؛ المقاومةُ الثقافيّة، والمقاومةُ السياسيّة، وكذلكَ -في الوقتِ المناسب- المقاومةُ الأمنيّةُ والعسكريّة؛ لقدْ كانتِ المساجدُ هكذا دوماً… المسجدُ مقرٌّ كبيرٌ للتعبئةِ الثقافيَّةِ والحراكِ الثقافيّ».

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج‏80، ص373.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى