مقالات

التسليم للحكم الشرعي

خلق الله الإنسان كائناً اجتماعيّاً بطبعه، ليسير نحو التكامل، وصولاً إلى السعادة بالتعاون مع بني جنسه، ونتيجة اختلاف الرغبات والأمزجة وتنوّع الحاجات والقوى والأذواق، كان لا بدّ من قانون عادل يُقنّن حياتهم، ويمنع التنازع والفتن، ويحقّق الغاية المنشودة من الخلق. ولا يضع القانون إلّا الخالق للإنسان والعالم بحاله وتفاصيله، والمنزّه عن كلّ حاجة أو غاية أو ميل، وهو الله تعالى الذي وضع الأحكام وأرسل الرسل، وآخرهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾[1].

وقال أيضاً: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾[2].

وفي زمن الغيبة، إذ يتعذّر أخذ التكليف من الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف مباشرةً، أرجعنا الإمام إلى الفقيه الجامع للشرائط.

عن الإمام صاحب الزمان عليه السلام: “وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللَّه عليهم”[3].

التسليم والانقياد
ينبغي على المكلّف أن يلتزم بالأحكام الشرعيّة ويؤدّيها على أكمل وجه، لأنّ فيها مصلحة الإنسان والله تعالى غنيّ عنّا:

عن أمير المؤمنين عليه السلام: “خلق الخلق حين خلقهم غنيّاً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم، لأنّه لا تضرّه معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه”[4].

عن أمير المؤمنين عليه السلام، مخاطباً الله سبحانه: “لم تخلق الخلق لوحشة، ولا استعملتهم لمنفعة… ولا ينقض سلطانك من عصاك، ولا يزيد في ملكك من أطاعك”[5].

ولا يؤدّي الإنسان حقّ العبوديّة حتّى يسلّم إلى الله تعالى ورسوله وأولي الأمر في التكاليف، وينقاد إليه الانقياد التام: قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾[6].

فهذه الآية تبيّن علامات الإيمان الراسخ، وذلك في مراحل ثلاث:
الأولى: الاحتكام إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وحكمه هو حكم الله تعالى.
الثانية: عدم الشعور بالانزعاج والحرج من حكمه.
الثالثة: أن يطبّق المسلم المؤمن هذه الأحكام تطبيقاً تامّاً، 
ويسلّم تسليماً كاملاً أمام الحقّ.

في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: “… فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكم فلم يُقبل منه، فإنّما بحكم الله استخفّ، وعلينا ردّ، والرادّ علينا كالرادّ على الله…”[7].

زاد الهدى في شهر الله، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة النجم، الآيات 3-5.
[2] سورة الرعد، الآية 7.
[3] الصدوق، محمّد بن عليّ بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر غفاري، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1395ه‏، ط2، ج2، ص484.
[4] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 303.
[5] المصدر نفسه، ص 158.
[6] سورة النساء، الآية 65.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي،مصدر سابق، ج1، ص 67.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى