مقالات

مناشئ الكِبْر عند الإنسان

للكِبْر أسبابٌ ودوافع كثيرة تعود كلّها إلى أنّ الإنسان يتصوّر لنفسه كمالاً معيناً، وبسبب حبّه لذاته، ومغالاته في تقييم نفسه، وتثمين مزاياها وفضائلها، والإفراط في الزهو بها، فإنّه يرى نفسه الأكمل والأفضل والأعظم، والآخرين أدنى منه، فيترفّع عنهم ويحتقرهم. وقد يكون هذا الكمال المتوهّم نابعاً من الأمور الدنيوية، من قبيل: الحسب والنسب الشريف، كثرة الأولاد والأنصار، الجمال، المال، القوّة البدنية، النفوذ السياسي أو الاجتماعي وغيرها… أو من الأمور الدينية حتى، كأن يتصوّر نفسه عالماً أو عابداً، ويرى، في المقابل، الآخرين جاهلين، لا يعلمون شيئاً عن حقائق هذا الدين، فيعتزّ بعلمه أو عبادته ويستعظم نفسه، ويحتقر غيره ويتعالى عليهم. كما ويمكن إضافة أسباب ومناشئ أخرى، منها:

أ- الجهل وضعف العقل: إنّ جهل الإنسان بحقيقة ضعفه وعجزه، وغفلته عن حقيقة أنّ كلّ نعمة أو كمالٍ إنّما هي بالأصل من الله تعالى، من شأنه أن يورث الكِبْر في القلب. فما يتوهّمه في نفسه من كمال إنّما هو من الله وليس من نفسه، وهو لا يكاد يساوي شيئاً أمام الكمالات المبسوطة في عالم الوجود. ولو رُخّص الكِبْر لأحدٍ، لكان الأنبياء أحقّ به من غيرهم، كما في الحديث عن الإمام علي عليه السلام: “لو رَخَّص الله سبحانه في الكِبْر لأحد من الخلقِ، لرخّص فيه لأنبيائه، لكنّه كره إليهم التكبّر، ورضي لهم التواضع”[1].

ب- رؤية ذلّة النفس: فعندما يرى المتكبّر الذلّ والنقص في نفسه فسيدفعه حاله هذا إلى الاستعلاء على الآخرين ظناً منه أنّه بذلك تعلو درجته، ويحصل على ما ينقصه من كمال، فعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “ما من رجلٍ تكبّر أو تجبّر إلا لذلّة وجدها في نفسه”[2].

ج- العجب: تؤدّي رذيلة العجب إلى نشوء رذيلة الكِبْر المهلكة في النفس، فعندما يتوهّم الإنسان أنّه يتمتّع بصفةٍ من صفات الكمال تنتابه حالةٌ من السرور، فيُصاب بداء العجب. وإذا أعجب الإنسان بأعماله استصغر أعمال الآخرين، بل احتقرها واعتبرها بلا قيمة، وعندها يجد نفسه أفضل من غيره وأعظم، فيقع في شِراك التكبّر.

د- الحسد: قد يتكبّر الإنسان الفاقد للكمال على من هو واجدٌ له، كأن يتكبّر الفقير على الغني، والجاهل على العالم، لأنّ الذي يفتقر إلى كمالٍ ما يراه موجوداً عند غيره، يمكن أن يدفعه حسده إلى التكبّر عليه، بهدف إذلاله وإهانته.

3- مفاسد الكِبْر:
من الواضح أن التكبّر من الأمراض الأخلاقية الخطيرة والشائعة والتي لها آثارٌ مدمّرة على روح الإنسان ومعتقداته وأفكاره وعلى مصيره أيضاً، ومن مساوئ هذه السجيّة:

أ- الكفر: قد يؤدي التكبّر بصاحبه إلى الكفر بالله واليوم الآخر: ﴿فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾[3].

ب- الحرمان من الجنّة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “لن يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من كِبْر”[4].

ج- المذلّة يوم القيامة: من وصايا الإمام الصادق لأصحابه: “إيّاكم والعظمة والكِبْر! فإنّ الكِبْر رداء الله عزَّ وجلَّ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذلّه يوم القيامة”[5].

د- دخول النار: عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “إنّ في جهنم لوادياً للمتكبّرين، يُقال له (سقر)، شكى إلى الله عزّ وجلّ شدّة حرّه، وسأله أن يأذن له أن يتنفّس، فتنفّس، فأحرق جهنّم”[6].

هـ الحرمان من العلم والمعرفة: عن الإمام الكاظم عليه السلام، قال: “يا هشام، إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار، لأَنّ الله تعالى جعل التواضع آلة العقل، وجعل التكبّر من آلة الجهل”[7].

و- ارتكاب المعاصي: قال الإمام الكاظم عليه السلام: “إنّ الفرح والمرح والخيلاء، كلّ ذلك في الشرك، والعمل في الأرض بالمعصية”[8]. وعن الإمام علي عليه السلام: “التكبّر يظهر الرذيلة”[9].

ز- المقت لصاحبه ونزول النقم عليه: عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: “إيّاك والكِبْر! فإنّه داعية المقت، ومن بابه تدخل النقم على صاحبه، وما أقلّ مُقامَهُ عنده وأَسرع زواله عنه!”[10].

أنوار الحياة، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص 29.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 312.
[3] سورة النحل، الآية 22.
[4] الحر العاملي، وسائل الشيعة آل البيت -، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث بقم المشرفة، 1414، ط 2،ج17، ص 7.
[5] م.ن، ج15، ص 376.
[6] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص310.
[7] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج11، ص 299.
[8] العلّامة المجلسي، بحار الانوار، ج70، ص 232.
[9] الآمدي، غرر الحكم، 310.
[10] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص 30.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى