مقالات

لماذا الزنا من أعظم المفاسد؟

الزنا من أعظم المفاسد لأنّه يترتب عليه فساد نظام العالم في حفظ الأنساب وحماية الفروج وصيانة الحرمات، وهو يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، ناهيك عن تسبّبه بأمراض غالباً ما تؤدّي إلى الموت، ولهذا نهى الله عن قربه في قوله تعالى ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا﴾ ([1]).

والنهي عن قربه ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا﴾ أبلغ من النهي عن فعله، لأنّه نهي عنه وعن الوسائل المفضية إليه، كالنظر المحرم والخلوة بالمرأة الأجنبيّة، واختلاط النساء بالرجال، و التبرّج والسفور، كلّ ذلك لتجنّب الزنى.

عن الإمام الرضا عليه السلام: “حرّم الزنى لم فيه من الفساد، من قتل الأنفس، وذهاب الأنساب، وترك التربية للأطفال، وفساد المواريث”([2]).

فالمرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها، وإن حملت من الزنى، فإمّا أن تقتل ولدها فتجمع بين الزنى والقتل، وإمّا أن تحمله على الزوج فتدخله في وراثته والنسب إليه وليس منه. وكذلك زنى الرجل فإنّه يوجب اختلاط الأنساب وفي هذا خراب الدنيا والدين.

للزنى خطوات ودرجات

إنّ الإسلام قد نهى عن كل أنواع الزنى، كما نهى أيضاً عن الخطوات الّتي تسبقه وتؤدّي إليه من نحو المصادقة قال الله تعالى: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾“([3]).

لأنّ كلّ ذلك من خطوات الشيطان الّتي تؤدّي إلى الفاحشة، وقد نهانا الله عن اتّباع خطوات الشيطان.

وقد ورد عن نبيّ الله عيسى عليه السلام: “لا تكوننّ حديد النظر إلى ما ليس لك فإنّه لن يزني فرجك ما حفظت عينك…”([4]).

لقد ذكر العلماء مراتب متفاوتة للزنى، كما ذكرت الروايات أنّ لكلّ عضو حظّه من الزنى، فالزنى بأجنبيّة لا زوج لها عظيم، وأعظم منه بأجنبيّة لها زوج وأعظم منه بمحرَم، وزنى الشيخ لكمال عقله أقبح من زنى الشابّ، وزنى العالم أقبح من زنى الجاهل، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ثلاثة لا يكلّمهم الله عزّ وجلّ… شيخ زان، وملك جبار، ومقلّ مختال”([5]).

آثار الزنى وعواقبه

الزنى فساد كبير، له آثار كبيرة، وتنجم عنه أضرار كثيرة. ومن هذه الآثار والأضرار:

1- الزنى يجمع خصال الشر كلّها من: قلّة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلّة الغيرة. وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: “ما زنى غيور قط”([6]).

2- يقتل الحياء ويلبس وجه صاحبه رقعة من الصفاقة والوقاحة.

3- ظلمة القلب، وطمس نوره لأنّه من أكبر المعاصي والمعصية تذهب بنور القلب وتزيد في اسوداده ما لم يتدارك الأمر بالتوبة.

4- الفقر اللازم لمرتكبيه، عن الإمام علي عليه السلام: “الزنى يورث الفقر”([7]).

5- أنّه يُذهب حُرمة فاعله، ويصبح معروفا بالفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن. وينظر الناس إلى الزاني بعين الريبة والخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته وأولاده. والمرأة الّتي ينسب إليها الزنى يتجنّب الناس الزواج بها وإن ظهرت توبته، مراعاة للوصمة الّتي اتصفت بها.

6- الزنى يجرّئ على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وإضاعة الأهل والعيال وربّما قاد إلى سفك الدم الحرام، فهذه المعصية لا تتمّ إلّا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولّد عنها أنواع أخرى من المعاصي بعدها.

7- إنّ الزنى جناية على الولد، فإنّ الزاني يجعل النسمة المخلوقة منه مقطوعة عن النسب إلى الآباء، فيكون ذلك سبباً لوجود الولد منقطعاً عمّن يهتمّ به فلا من يعطف عليه ولا من يحسن تربيته.

المولود الناتج عن الزنى ينشأ في الغالب فاسدا نتيجة انعقاد نطفته من الحرام وإن كانت أبواب الهداية مفتوحة أمامه، ونتيجة نشأته غير المستقرّة لذلك فإنّ الناس يستخفّون بولد الزنى، وتنكره طبائعهم مع أنّه ليس على ولد الزنى من وزر أبويه شيء.

وقد لا يقتصر فساده على مستوى السلوك بل قد يصل إلى مسائل الاعتقاد. فعن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ لولد الزنى علامات: أحدها بغضنا أهل البيت، وثانيها أنّه يحن إلى الحرام الّذي خلق منه، وثالثها الاستخفاف بالدين، ورابعها سوء المحضر…”([8]).

الزنى يهيّج العداوات، ويزكّي نار الانتقام بين أهل المرأة وبين الزاني، ذلك أنّ الغيرة الّتي طبع عليها الإنسان قد تدفعه إلى القتل وهذا ما تقدّم ذكره في الرواية السابقة عن الإمام الرضا عليه السلام: “حرّم الزنى لما فيه من الفساد من قتل الأنّفس..”.

كما أنّ للزنى أضراره الجسيمة على الصحّة يصعب علاجها والسيطرة عليها، وهي قد لا تطال المرتكب لوحده بل تعمّ، وربما أودت بحياة الزاني وغيره، نعوذ بالله تعالى من الزنى ومن آثاره.

 … قد جآءتكم موعظة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) سورة النور، الآية: 33.
([2])بحار الأنوار، العلّامة المجلسي،ج79، ص24.
([3])سورة المائدة، الآية: 5.
([4])ميزان الحكمة، الريشهري، ج 3، ص 1162.
([5])ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص 291.
([6])نهج البلاغة، الحكمة 305.
([7])بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج79 ص23.
([8]) ميزان الحكمة،الريشهري، ج3، ص1163.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى