مقالات

كيف تصبح غنياً وعزيزاً في نظر الناس؟

في مقابل الطمع يأتي الاستغناء عن الناس واليأس عمّا في أيديهم، والذي يُعدّ من الفضائل الموجبة لتقرّب العبد إلى الله تعالى، ويؤدّي بالإنسان إِلَى المراتب العالية، ففي الخبر الوارد عن إمامنا الصادق عليه السلام أنّ لقمان الحكيم عليه السلام قال لابنه وهو يعظه: “إن أردت أن تجمع عزّ الدنيا فاقطع طمعك ممّا في أيدي الناس، فإنّما بلغ الأنبياء والصدّيقون ما بلغوا بقطع طمعهم”[1].

وقال سليل بيت التقى صاحب هذه الوصية التي نتشرّف بخدمتها مولانا الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام : “اليأس ممّا في أيدي الناس عزّ المؤمن في دينه..”[2].

واليأس يحصل بقطع الطمع عمّا في أيدي الناس، لأنّ الطمع شعبةٌ من شعب حبّ الدنيا، ومن الرذائل المهلكة التي تُسيء إلى شرف المسلم ومروءته. ورد عن إمامنا الرضا عليه السلام أنّه قال: “اليأس ممّا في أيدي الناس عزّ المؤمن في دينه، ومروّته في نفسه، وشرفه في دنياه، وعظمته في أعين الناس، وجلالته في عشيرته، ومهابته عند عياله، وهو أغنى الناس عند نفسه، وعند جميع الناس”[3].

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “قد يكون اليأس إدراكاً، والطمع هلاكاً”[4].

ذلك لأنّ الطامع يكون وثوقه بالناس واعتماده عليهم أكثر من وثوقه بالله تعالى, إذ لو كان اعتماده على الله أكثر من اعتماده على الناس لما نظر إليهم، بل لم يطمع إلا بما عند الله سبحانه، وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “أول الإخلاص اليأس ممّا في أيدي الناس”[5].

العزّ مع اليأس
جاء رجل إلى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا نبيّ الله حدّثني حديثاً، واجعله موجزاً لعلّي أعيه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “صلِّ صلاة مودِّع كأنّك لا تُصلّ بعدها، وايأس ممّا في أيدي الناس تعش غنيّاً، وإيّاك وما يُعتذر منه”[6].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “أيّها الناس إنّ الطمع فقر، واليأس غنى، والقناعة راحة..”[7].
اليأس عمَّا بأيدي الناس مكرمةٌ     والرِّزق يصحب والأرزاق تتَّسع
لا تجزعنَّ على ما فات مطلبه       ها قد جزعت فماذا ينفع الجزع
إنَّ السَّعادة يأسٌ إن ظفرت به        بعض المراد وإنَّ الشَّقوة الطمع

ومن مواعظ مولانا الإمام الصادق عليه السلام: “لا يزال العزّ قلقاً حتى يأتي داراً قد استشعر أهلها اليأس ممّا في أيدي الناس فيوطنها”[8].

وعليه، فاليأس ممّا في أيدي الناس هو: أعظم أنواع التحرّر من رقّ عبوديّتهم، فأمّا إذا طمع المرء فيما عندهم، فإنّ قلبه يتعلّق بهم، ويفتقر إليهم.
العبد حرّ ما قنع       والحرّ عبد ما طمع

وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه، فإنّ الأمر الذي ييأس منه لا يطلبه، ولا يطمع فيه، ولا يبقى قلبه فقيراً إليه، ولا إلى من يفعله، وأمّا إذا طمع في أمر من الأمور ورجاه، فإنّ قلبه يتعلّق به فيصير فقيراً إلى حصوله، وإلى من يظنّ أنّه سبب في حصوله. وقد قال أمير المؤمنين وإمام المتّقين عليه السلام: “مرارة اليأس خير من التضرّع إلى الناس”[9].

وقال عليه السلام: “امنن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمّن شئت تكن نظيره”[10].

وقال مولانا الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: “ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم، فيكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بشرك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزّك”[11].

وقال الإمام الصادق عليه السلام: “إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئاً إلا أعطاه، فلييأس من الناس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلا من عند الله، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه”[12]، فطريق العزّ ودوامه يكون بالتوجّه إلى الله، وأن نلحّ عليه بالدعاء والشكوى، لأنّ الشكوى إلى الله تُشعرك بالقوّةِ والسعادة، وأنّك تأوي إلى ركنٍ شديد، أمّا الشكوى إلى الناس، والنظر إلى ما في أيدي الناس، فيُشعرك بالضعف والذلّ، والإهانةِ والتبعية، وقد قال مولانا الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام في فصل خطابه: “العزّ مع اليأس”[13].

المهتدون، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] العلامة النوري، مستدرك الوسائل، ج 12، ص 69.
[2] الكليني، الكافي، ج 2، ص 149، باب الاستغناء عن الناس.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 108.
[4] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 391، الطبعة 2: النشر الإسلامي، قم.
[5] الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل السابع في الإخلاص، رقم 3918.
[6] محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، مسند الشهاب، ج 2، ص 93، حديث 952، الطبعة 2: مؤسسة الرسالة.
[7] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص 183.
[8] بحار الانوار، ج 75، ص 206.
[9] الآمدي التميمي، غرر الحكم و درر الكلم، الفصل التاسع في اليأس عما في أيدي الناس، رقم 9255.
[10] الشيخ الصدوق، الخصال، ج 1، ص 220، الطبعة 1: جماعة المدرسين، قم.
[11] الكليني، الكافي، ج 2، ص 149.
[12] الكافي، ج 2، ص 148.
[13] الآمدي التميمي، غرر الحكم و درر الكلم، الفصل التاسع في اليأس عما في أيدي الناس، رقم 9240.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى