مقالات

جهادُ التبيين

رويَ عنْ رسولِ اللهِ (ص): «أقرَبُ النّاسِ مِن دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ أهلُ الجِهادِ، وأهلُ العِلمِ»[1].

لقدْ كانتْ وظيفةُ الأنبياءِ والرسلِ (عليهمُ السلام) بيانَ الحقِّ للناسِ، وهدايتَهم إلى الرشاد، قالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[2]. ولذلك، كانَ الأنبياءُ مِنْ أقربِ الناسِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ. ولكونِ العلماءِ ورثةَ الأنبياءِ، كانَ أهلُ العلمِ أقربَ مِنْ درجةِ النبوّةِ؛ لأنَّهم يؤدُّونَ دورَ التبيينِ للناس.

والتبيينُ يصبحُ جهاداً عندما يكونُ في مواجهةِ عدوٍّ يريدُ تزييفَ الحقائقِ وإضلالَ الناس، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «الجهادُ يعني بذلَ الجُهدِ في مواجهةِ العدوّ. ليسَ كلُّ جهدٍ جهاداً. ثمّةَ كثيرونَ يبذلونَ الجهود، يبذلونَ جهوداً علميّةً كبيرة، يبذلونَ جهوداً اقتصاديّة… هذا أمرٌ جيِّدٌ، وفي مكانِه، لكنَّه ليسَ جهاداً؛ الجهادُ يعني جهداً فيه استهدافٌ للعدوّ. هذا هو الجهاد».

ولذلكَ يؤكِّدُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) أنّ على الجميعِ القيامَ بهذا الدور: «أَولُوا أهمّيّةً لقضيّةِ التبيين. ثمّةَ حقائقُ كثيرةٌ ينبغي تبيينُها. في مواجهةِ هذه الحركةِ المظلَّلةِ التي تتدفَّقُ مِنْ مئةِ اتجاهٍ للتأثيرِ على الرأيِ العامّ، فإنَّ حركةَ التبيينِ تُحبِطُ مؤامرةَ العدوِّ وحركتَه. إنَّهُ بمنزلةِ الواجبِ على كلِّ واحدٍ منكُم أن تنيروا ما حولَكم كالمصباح».

وفي معرِضِ حديثِه عنْ جهادِ التبيين، يذكُرُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) أنَّ نضالَ الأئمّةِ (عليهمُ السلام) الأساسُ فيهِ كانَ مسألةَ التبيين:

«ما نوعُ جهادِ الأئمَّةِ (عليهمُ السلام)؟ لم يكنْ جهادُ الأئمّةِ (عليهمُ السلام) عسكريّاً باستثناءِ بعضِهم -أميرِ المؤمنينَ، والإمامِ الحسنِ المجتبى، والإمامِ الحسينِ (عليهمُ السلام) – قاتَلوا بالسيفِ فقط، وبقيّةُ الأئمّةِ (عليهمُ السلام) الذينَ لم يقاتلوا بالسيف، ماذا كانَ جهادُهم؟ «جهادَ التبيين». إنّني أكرِّرُ دائماً: التبيينُ أو جهادُ التبيين؛ بيِّنوا ونوِّروا».

ولذلك، الوظيفةُ اليومَ هي التبيينُ وكشفُ الحقائق، وهو سلاحُنا الفعَّالُ والمؤثِّرُ في مواجهةِ إمبراطوريّةِ «قَلْبِ الحقائق» التي تريدُها الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ للسيطرةِ على الدُوَل، ونهْبِ ثرواتِها، وتضليلِ الرأيِ العامّ.

وجهادُ السيِّدةِ زينبَ (عليها السلام) منذَ مسيرِها مَعَ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، وبعدَ شهادتِه، كانَ مِنْ أبرزِ مصاديقِ جهادِ التبيين. ويشهدُ لذلكَ كلامُها في مختلفِ المواطنِ، ولا سيَّما في الكوفةِ والشام، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «زينبُ الكبرى (عليها السلام) سيّدةٌ بارزةٌ في تاريخِ البشريّة، لا في تاريخِ الإسلامِ فحسب. حقّاً هي فريدة. تلك الإنسانةُ العظيمة [مصداقُ قولِ الشاعر]: «لا تقلْ هي امرأةٌ، فَيَدُ اللهِ مَعَها». ونحنُ قلَّما نجدُ إنساناً -رجلاً كانَ أو امرأة- يستطيعُ أنْ يخوضَ غمارَ الميادينِ الصعبةِ بهذِه القوّةِ والصلابة، كما خاضتْهُ تلكَ الإنسانة».

نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمان، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى ولادةِ السيّدةِ زينبَ سلامُ اللهِ عليها.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمال، ج4، ص310.
[2] سورة إبراهيم، الآية 4.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى