مقالات

الأصل في تشريع الجهاد

الجهاد في سبيل اللّه من الواجبات والعبادات المهمة التي تحدث عنها القرآن الكريم في مواضع عديدة، ﴿وجاهدوا في اللّه حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سمَّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا باللّه هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير﴾([1]).. ﴿يا أيها الذين آمنوا هل أدُلُّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون﴾ ([2]). والجهاد له مفهوم واسع في الاسلام والقرآن الكريم، حيث إنه مأخوذ من الجُهد وهو الوُسع والطاقة فيكون الجهاد هو بذل الوسع في المدافعة والمغالبة من أجل اللّه، وبذل الطاقة في سبيل نشر الاسلام والدفاع عنه([3]). فكل ما يتحمله الانسان من عناء وتعب وكل ما يقدمه من عطاء وفداء في سبيل اللّه يكون جهاداً، سواء كان ذلك نفسياً أو بدنياً، وسواء كان في الحديث أو التأليف أو المال أو طلب العلم والمعرفة النافعة أو في اصلاح ذات البين أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلاً عن بذل النفس والقتال في سبيل اللّه.

ولكن الجهاد في المصطلح الفقهي يطلق عادة على خصوص القتال في سبيل اللّه، من خلال استخدام السلاح والتعرض إلى القتل والموت والاستشهاد. وقد فرض اللّه تعالى هذا النوع من الجهاد على الانسان المسلم في ظروف معينة، وأباح له بل أوجب عليه أن يعرض نفسه للقتل وللموت دفاعاً عن النفس والإسلام والمظلومين، قال تعالى: ﴿كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم…﴾ ([4]). وقال تعالى: ﴿أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن اللّه على نصرهم لقدير * الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ أن يقولوا ربنا اللّه ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهُدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللّهِ كثيراً ولينصرن اللّه من ينصره إن اللّه لقويٌ عزيز﴾([5]). وقال تعالى: ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القريةِ الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً﴾ ([6]). ويبدو من القرآن الكريم أن أصل تشريع القتال كان من أجل الدفاع عن النفس. وذلك بعد أن استخدم المشركون والكفار وأعداء الاسلام ضد المسلمين أساليب القمع والاضطهاد والفتنة والعدوان، والمطاردة والاخراج من الديار والحصار الاقتصادي والاجتماعي وأساليب التعذيب ومحاولات القتل، كما تشير الآيتان السابقتان الثانية والثالثة. وكما يشير إليه قوله تعالى: ﴿وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن اللّه غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين * الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا اللّه واعملوا أن اللّه مع المتقين﴾ ([7]). حيث يفهم من هذه الآيات الشريفة أن القاعدة والأصل في هذا القتال هو الدفاع ورد العدوان وان القتال يتوقف عندما ينتهون من العدوان.

دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة،  السيد محمد باقر الحكيم


([1]) الحج: 78.
([2]) الصف: 10 – 11.
([3]) معجم ألفاظ القرآن: 216.
([4]) البقرة: 216.
([5]) الحج: 39 – 40.
([6]) النساء: 75.
([7]) البقرة: 190 – 194.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى