مقالات

في معنى التفكّر..

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَ بِالْحَقِّ﴾([1]).

قيل في معنى التفكُّر وجوه كثيرة خلاصتها أنّه سير باطن الإنسان من المبادئ إلى المقاصد، وكذا عُرِّف معنى النظر في اصطلاح العلماء.

ولا يُمكن لأحدٍ أنْ يصل من مرتبة النقصان إلى مرتبة الكمال، إلّا بالسير، ولذلك قالوا: إنّ أوّل الواجبات هو التفكُّر والنظر. جاء في التنزيل الحثّ على التفكُّر في ما لا يُحصى من الآيات مثل قوله تعالى: “إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”([2]). وفي الحديث النبوي “تفكُّر ساعةٍ خير من عبادة سبعين سنة”([3]). وينبغي أنْ يُعلم أنّ مبادئ السير الّتي منها ابتداء الحركة هي الآفاق والأنفس.

والسير هو الاستدلال من آياتها، وهي الحِكَم الّتي توجد في كلِّ ذرّةٍ من ذرّات الكونين الدالّة على عظمة المبدع وكماله، قال الله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾([4]). ثُمَّ يستشهد من جلاله على كلِّ ما سواه من مبتدعاته كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾([5]) لتنجلي له كلّ ذرّة من ذرّات العالَم.

أما آيات الآفاق فهي معرفة موجوداتٍ سوى الله تعالى كما هي عليه والحِكَم الموجودة في كلِّ واحدٍ، بقدر الاستطاعة الإنسانيّة، وذلك مثل علم هيئة الأفلاك والكواكب وحركاتها وأوضاعها ومقادير أجرامها وأبعادها وتأثيراتها بحسب صورها وكيفيّاتها وحصول الأمزجةِ والتركيبات المعدنيّة والنَّباتيّة والحيوانيّة، ومعرفة القوى والنّفوس السّماويّة والأرضيّة ومبادئ كلّ واحدةٍ منها وما هو مودَع فيها وحاصل منها من المناسبات والمخالَفات والخواصّ والمشاركات، وما يتعلّق بهذا العلم من علوم الأعداد والمقادير ولواحقها.

وأمّا آيات الأنفس فهي من معرفة الأبدان والأنفس. وإنّما يحصل ذلك من علم التشريح بالأعضاء المفردة من العظام والعضلات والأعصاب والعروق ومبلغ كلِّ واحدٍ منها والأعضاء المركّبة كالأعضاء الرئيسة الخادمة وآلاتها والجوارح، ومعرفة قوى وأفعال كلّ واحدٍ منها، وأحوالها مثل الصحّة والمرض، ومعرفة النفوس وكيفيّة ارتباطها بأبدانها، وأفعال كلّ واحدٍ في الآخر وانفعالاته عنهُ، وأسباب نقصان كلّ واحدٍ وكماله، ومقتضى السّعادة والشقاوة العاجلة والآجلة وما يتعلّق بهما.

وهذه الجملة هي مبادئ السير الّذي عبّر عنه بـ (التفكُّر).

وأمّا المقاصد فهي منتهى السير، ويُعلم ذلكَ من أواخر هذه الأبواب والفصول وهو الوصول إلى نهاية مراتب الكمال.

أوصاف الأشراف، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) سورة الروم: الآية 8.
([2]) سورة الرعد: الآية 3. وتكرّر هذا المقطع ستّ مرّات في القرآن الكريم.
([3]) بحار الأنوار: ج 69 ص 293. رواية 23 ولكن بلفظ ( ستين سنة).
([4]) سورة فصلت: الآية 53.
([5]) تتمّة الآية السابقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى