مقالات

أهداف الإنسان‏ ومستقبل العالم

للإنسان أهداف كثيرة في الحياة يسعى إلى تحقيقها، ولكنه قد يعطي قيمة لبعض الأشياء التي لا قيمة لها في الواقع، وفي نفس الوقت يسخِّرُ العلمَ لتحقيق أهدافه وغاياته كلها المشروعة واللامشروعة، والتي لها قيمة وينبغي أن يسعى لها والتي لا ينبغي أن يسعى خلفها من الأساس، والعلم لا يستطيع أن يغيَّر قيم الأشياء في نظر الإنسان، ولا يستطيع أن يغير أهدافه، لأنّ‏ الإنسان يسخر كلّ‏ شي‏ء له وفي خدمته، وعليه فمن الذي يمكن أن يوجه الإنسان نحو الحقيقة والصواب، ومن الذي يمكن أن يعرِّفه الهدف المشروع من الهدف اللامشروع؟

الجواب: الدين هو الوحيد الذي يوجه الإنسان نحو الحقيقة، وهو الذي يعلم الإنسان القيم والمبادئ العالية ويرغبه فيها، ويبعده عن كل العادات والتقاليد والأهداف اللامشروعة، وهو الذي يقوِّم كلّ‏ الغرائز الإنسانية ويسلك بها الطريق الصحيح الموصل إلى الأهداف المطلوبة.

مستقبل العالَم‏
قد يصوِّر بعض الماديين بنظرة تشاؤميَّة نهاية مؤلمة للعالم من حروب ودمار وفناء للبشريَّة، وتذهب بالتالي كلّ‏ جهود الناس عبر السنين لإعمار الأرض أدراج الرياح، وهذه نتيجة طبيعيَّة لما يرونه من أعمال ظاهرية وآثار ملموسة، فهم يعيشون مضطربين في هذه الحياة قلقين خائفين من المستقبل المخيف([1]).

بينما الإنسان الإلهي المسلم ينظر إلى نهاية العالَم نظرة ملؤها التفاؤل والخير، فهو لا يرى فناء العالَم بهذه البساطة، وبيد القِوى المخرِّبة من البشر، بل يعتقد بالأنبياء وتعاليمهم وأنه سيحصل المدد الغيبي، فيعطيهم ذلك الطمأنينة في الحياة فلا يعيرون بالاً لكلّ‏ الأقاويل التي تُحاك حول هذه المخاوف، ويؤمنون بأن الله عالم حكيم عادل، قد خلق الكون عبر ملايين السنين ومهَّده للإنسان، فلا بدَّ أن يوصل الإنسان إلى غاية معقولة مرجوَّة لا أن يوصله إلى الدمار الشامل وبهذه السهولة.

وقد قال السبزواري في منظومته:
إذ مقتضى الحكمة والعناية             إيصال كل ممكن لغاية([2])

فلو أوصله إلى الدمار لكان خلق الإنسان لغوا وعبثا وساحة الله منزهة عن ذلك.

المهدوية آخر الزمان‏
يرى الإلهي أنّ‏ الأمور ستشتدُّ وتسوء، ولكن لا تكون النهاية هي الفناء مباشرة، بل ليس بعد الشدَّة إلا الرخاء وليس بعد العسر إلا اليسر، فلا بدَّ أن يظهر المخلص والمنقذ للبشريَّة ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وكما كان يرسل الله الأنبياء في محتلك الظروف لهداية وإنقاذ الناس من الهلاك، سيرسل المخلص للأرض من أيدي المجرمين والقتلة، فلا يلمع البرق إلا في مدلهَّمات الغيوم، وهذه هي فكرة المهدويّة التي يعتقد بها الشيعة، فهم يعتقدون بظهور إمام عادل من ذرية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يخلص البشرية كلها لا المسلمين فقط، ويحكم بالعدل بين الناس، ويملأ الخير والسعادة والهناء كلّ‏ أرجاء المعمورة، ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا…﴾([3]).

وهو ذلك اليوم الذي يذكره الحديث:
“إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كلّ حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾([4]).

وحكم بين الناس بحكم داوود وحكم محمد صلى الله عليه وآل، فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعا لصدقته ولا لبرِّه، لشمول الغنى جميع المؤمنين… وهو قوله تعالى: ﴿… وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾“([5])([6]).

وعن مستقبل العالم يتحدث أمير المؤمنين عليه السلام:
“حتى تقوم الحرب بكم على ساق، باديا نواجذها، مملوءة أخلافها، حلوا رضاعها، علقما عاقبتها، ألا وفي غدٍ وسيأتي غدٌ بما لا تعرفون يأخذ الوالي من غيرها عمالها، على مساوي أعمالها، وتخرج الأرض له أفاليذ كبدها، وتلقي إليه سلما مقاليدها، فيريكم كيف عدل السيرة، ويحيي ميت الكتاب والسنة”([7]).

فالإمام عليه السلام يشير إلى مستقبل رهيب قاتم، لكنَّه يبشِّر بفجر ناصع بعد ليل بهيم، وبهذا الاعتقاد تزول كلّ‏ المخاوف ويعيش الإنسان الإلهي الطمأنينة والراحة، نعم إنه وعد إلهي: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾([8]).

فللإيمان بالغيب تأثير عملي على الإنسان وسلوكه في الحياة.

المدد الغيبي، مركز الإمام الخميني الثقافي


([1]) ينقل الشهيد مطهري كلاما طويلا لراسل من كتابه الطموحات الجديدة يحث الناس على اتخاذ القرار بمواجهة هذا الخوف بدل أن نبقى مذعورين حائرين.
([2]) المنظومة، قسم الحكمة، مبحث الغاية.
([3]) الزمر:69.
([4]) آل عمران:83.
([5]) الأعراف:128.
([6]) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج‏52، ص‏339، وروضة الواعظين، للفتّال النيسابوري، ص‏265.
([7]) نهج البلاغة، من خطبة له عليه السلام يومي فيها إلى ذكر الملاحم، ج‏2، الخطبة 136، تحقيق الشيخ محمد عبدو.
([8]) الأنبياء:105.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى