مقالات

أهم درجات كمال الإيمان

يقول الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[1].

اشتُهر بين النّاس أنّ الإيمان درجات، لكنّ أكثر النّاس لا يعلمون عن درجاته شيئًا، ويتصوّرون أنّ كثرة العبادة هي شدّة الإيمان. ولا شكّ أنّ الإكثار من العبادة هو من تجلّيات زيادة الإيمان، لكنّه قد يوجد في نفوس المنافقين والكفّار. وإبليس هو أبلغ مثال على الكافر الذي يكثر العبادة. فقد عُرف بين الملائكة بكثرة عبادته والله تعالى وصفه بأنّه كان من الكافرين. ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾[2]. وينبغي أن نعلم أنّ درجات الإيمان إنّما هي لأجل أن يعرف السّالك كيفيّة توجيه مسيرته الإيمانيّة، حيث سيتبيّن لنا أنّ التوّقف عند أيّة درجة من درجات الإيمان أو الكمال هي بمنزلة الوقوع في فخّ إبليس، وهي من أمّ أسباب الهلكة بعينها. ومن أهم درجات كمال الإيمان الحقيقي:

1- الطّمأنينة
وفي الفصل الذي عقده الإمام للحديث عن مقامات السّالكين، وبعد ذكر الدّرجة الأولى وهي العلم، يذكر الإمام أنّ الإيمان ينتهي إلى الطّمأنينة. قال قدس سره: “مقام الاطمئنان وطمأنينة النّفس، وهو في الحقيقة المرتبة الكاملة من الإيمان. قال تعالى مخاطبًا خليله ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ ولعلّنا نشير إلى تلك المرتبة أيضاً فيما بعد”[3].

ويقول قدس سره أيضاً: “كمال الإيمان هو الاطمئنان. فإذا قوي نور الإيمان تبعه حصول الاطمئنان في القلب، وجميع هذه الأمور هي غير العلم. فمن الممكن أن يدرك العقل بالدليل شيئا لكن القلب لم يسلم بعد، فيكون العلم بلا فائدة. مثلاً أنتم أدركتم بعقولكم أن الميت لا يستطيع أن يضرّ أحداً، وأن جميع الأموات في العالم ليس لهم حس ولا حركة بقدر ذبابة، وأن جميع القوى الجسمانية والنفسانية قد فارقته ولكن حيث أن القلب لم يتقبل هذا الأمر ولم يسلم أمره للعقل، فإنكم لا تقدرون على مبيت ليلة مظلمة واحدة مع ميت!! وأما إذا سلّم القلب أمره للعقل، وتقبل هذا الحكم منه، فلن يكون في هذا العمل ـ أي المبيت مع الميت ـ أي إِشكال بالنسبة إليكم، كما أنه وبعد عدة مرات من الإقدام، يصبح القلب مسلّماً، فلن يبقى عنده بعدها بأس أو خوف من الميت”[4].

2- الشهود
وتكون الطّمأنينة هي الدّرجة العليا من الإيمان التي تؤسّس لمقام الشّهود وهو أعلى ما يمكن أن يصل إليه السّالك على مستوى معرفة ربّه سبحانه. ومثل هذا المقام الأسنى لا ينتهي إلى مقام، بل هو سير في عالم الإطلاق إلى ما لا يتناهى، فـ “مقام المشاهدة. وهو نور إلهيّ وتجلٍّ رحمانيّ يظهر في سرّ السّالك تبعًا للتجلّيات الأسمائيّة والصّفاتيّة، وينوّر جميع قلبه بنورٍ شهوديّ ولهذا المقام درجات كثيرة لا تتّسع هذه الأوراق لذكرها. وفي هذا المقام يبرز أُنموذج من قرب النّوافل المعبّر عنه بـ “كنت سمعه وبصره”. ويرى السّالك نفسه مستغرقًا في البحر اللامتناهي ومن ورائه بحرٌ عميق في غاية العمق تنكشف له فيه نبذة من أسرار القدر”[5].

و“أصحاب القلوب وأهل الله ينتقلون من حدّ الإيمان إلى منزل الكشف والشهود. وهو يحصل بالمجاهدة الشّديدة والخلوة مع الله والعشق بالله”[6].

دراسات أخلاقية – الأخلاق المحمودة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة المجادلة، الآية 11.
[2] سورة البقرة، الآية 34.
[3] معراج السالكين، ص 26.
[4] الأربعون حديثًا، ص 58-59.
[5] معراج السالكين، ص 26-27.
[6] (م.ن)، ص 106.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى