مقالات

ومضات من مناقب الإمام الهادي (عليه السلام)

وهي أكثر من أن تحصر وفوق أن تعدّ… فمن قضائه لحوائج شيعته ما روي عن أبي هاشم الجعفريّ، قال: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام فأذن لي، فلمّا جلست قال: “يا أبا هاشم، أيّ نعم الله عزّ وجلّ عليك تريد أن تؤدّي شكرها؟” قال أبو هاشم: فوجمت[1]، فلم أدر ما أقول له، فابتدأ عليه السلام فقال: “رزقك الإيمان، فحرّم به بدنك على النّار، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة، ورزقك القنوع، فصانك عن التبذُّل. يا أبا هاشم، إنّما ابتدأتك بهذا لأنّي ظننت أنّك تريد أن تشكو إليّ من فعل بك هذا، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها”[2].

وممّا يُنقل في تواصله مع شيعته ما رواه الشيخ المفيد بسنده عن عليّ بن محمّد النوفليّ قال: قال لي محمّد بن الفرج الرخجيّ: إنّ أبا الحسن عليه السلام كتب إليه: “يا محمّد، أجمع أمرك وخذ حذرك”. قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما المراد بما كتب به إليّ، حتّى ورد عليّ رسول حملني من مصر مصفّداً بالحديد، وضرب على كلّ ما أملك، فمكثت في السجن ثماني سنين ثمّ ورد عليّ كتاب منه وأنا في السجن: “يا محمّد بن الفرج، لا تنزل في ناحية الجانب الغربيّ”، فقرأت الكتاب وقلت في نفسي: يكتب أبو الحسن إليّ بهذا وأنا في السجن! إنّ هذا لعجب. فما مكثت إلّا أيّاماً يسيرة حتّى أُفرج عنّي وحُلّت قيودي وخُلِّيَ سبيلي. قال: فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله أن يردّ عليّ ضياعي، فكتب إليّ: “سوف تُرَدُّ عليك، وما يضرُّك ألّا تُردّ عليك”.

قال عليّ بن محمّد النوفليّ: فلمّا شخص محمّد بن الفرج الرخجيّ إلى العسكر، كتب له بردّ ضياعه، فلم يصل الكتاب حتّى مات. قال عليّ بن محمّد النوفليّ: وكتب عليّ بن الخصيب إلى محمّد بن الفرج بالخروج إلى العسكر، فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يشاوره، فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام: “أُخرج فإنّ فيه فرجك إن شاء الله”، فخرج فلم يلبث إلّا يسيراً حتّى مات.

وروى (أحمد بن عيسى) قال: أخبرني (أبو يعقوب) قال: رأيت محمّد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشيّة من العشايا، وقد استقبل أبا الحسن عليه السلام فنظر إليه نظراً شافياً، فاعتلّ محمّد بن الفرج من الغد، فدخلت عليه عائداً بعد أيّام من علّته، فحدّثني أنّ أبا الحسن عليه السلام قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه مدرجاً تحت رأسه، قال: فكُفّن فيه والله[3].

ومن رفقه بشيعته وتفقّده لهم ما رواه الشيخ المفيد عن محمّد بن عليّ قال: أخبرني زيد ابن عليّ بن الحسين بن زيد قال: مرضت فدخل الطبيب عليّ ليلاً ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا يوماً، فلم يمكنّي تحصيله من الليل، وخرج الطبيب من الباب، وورد صاحب أبي الحسن عليه السلام في الحال ومعه صرّة فيها ذلك الدواء بعينه، فقال لي: أبو الحسن يقرؤك السلام ويقول: “خذ هذا الدواء كذا وكذا يوماً” فأخذته فشربت فبرأت. قال محمّد بن عليّ: فقال لي زيد بن عليّ: يا محمّد، أين الغلاة عن هذا الحديث؟![4].
وفي مجال علاقته بتربة جدّه الإمام الحسين عليه السلام وتداويه بها ما رُوي عن أبي هاشم الجعفريّ، قال: بعث إليّ أبو الحسن عليه السلام في مرضه وإلى محمّد بن حمزة، فسبقني إليه محمّد بن حمزة فأخبرني أنّه ما زال يقول: “ابعثوا إلى الحائر”[5]، فقلت لمحمّد: ألا قلت له: أنا أذهب إلى الحائر، ثمّ دخلت عليه فقلت له: جعلت فداك أنا أذهب إلى الحائر، فقال: “انظروا في ذلك”[6]، ثمّ قال: “إنّ محمّداً ليس له سرّ من زيد بن عليّ[7] وأنا أكره أن يسمع ذلك”، قال: فذكرت ذلك لعليّ بن بلال، فقال: ما كان يصنع بالحائر وهو الحائر. فقدمت العسكر فدخلت عليه، فقال لي: “اجلس”، حين أردت القيام، فلمّا رأيته أنس بي ذكرت قول عليّ بن بلال، فقال لي: “ألا قلت له: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يطوف بالبيت ويقبّل الحجر، وحرمة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمن أعظم من حرمة البيت، وأمره الله أن يقف بعرفة، وإنّما هي مواطن يحبّ الله أن يذكر فيها، فأنا أحبّ أن يدعى لي حيث يحبّ الله أن يدعى فيها، والحائر من تلك المواضع”[8].

وحول هيبته عليه السلام رُوي عن محمّد بن الحسن الأشتر العلويّ الحسينيّ، قال: كنت مع أبي على باب المتوكّل، وأنا صبيّ، في جمع من الناس في ما بين طالبيّ إلى عبّاسيّ إلى جعفريّ إلى غير ذلك، إذ جاء أبو الحسن عليّ بن محمّد عليه السلام فترجّل الناس كلّهم، حتّى دخل، فقال بعضهم لبعض: لِمَ نترجّل لهذا الغلام؟ فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سنّاً ولا بأعلمنا! فقالوا: والله لا ترجّلنا له. فقال أبو هاشم الجعفريّ: والله لتترجَّلَنَّ له (على) صغره إذا رأيتموه، فما هو إلّا أن طلع وبصروا به حتّى ترجّل له الناس كلّهم، فقال لهم أبو هاشم: ألستم زعمتم أنّكم لا تترجّلون له؟ فقالوا: ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجّلنا[9].

هادي الأمّة (شهادة الإمام علي الهادي عليه السلام)، جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية


[1] وجم: أطرق وسكت عن الكلام.
[2] الصدوق: الأمالي, ص 498.
[3] المفيد: الإرشاد, ج 2, ص 304- 305.
[4] المصدر نفسه، ص 308.
[5] ابعثوا إلى الحائر، أي ابعثوا رجلاً إلى حائر الحسين عليه السلام يدعو لي ويسأل الله شفائي عنده. (عن المجلسيّ في البحار).
[6] انظروا في ذلك: أي تفكّروا وتدبّروا فيه بأن يقع على وجه لا يطلع عليه أحد للتقيّة. (عن المجلسيّ في البحار).
[7] وقوله عليه السلام: “إنّ محمّداً” يعني ابن حمزة ليس له سرّ أي حصانة بل يفشي الأسرار، وذلك بسبب أنّه من أتباع زيد ولا يعتقد إمامتنا، فتكون (من) تعليليّة، أو المعنى أنّه ليس له حظّ من أسرار زيد وما كان يعتقد فينا، فإنّ الزيديّة خالفوا زيداً في ذلك، ولعلّه كان الباعث لإفشائه على الوجهين الحسد على أبي هاشم إذا كان هو المبعوث، فلذا لم يتّق عليه السلام في القول أوّلاً عنده مع أنّه يحتمل أن يكون المراد بمحمّد أخيراً غير ابن حمزة. ويحتمل أيضا أن يكون المراد بزيد غير إمام الزيديّة، بل واحداً من أهل ذلك العصر ممّن يتّقى منه، ويكون المعنى أنّ محمّداً لا يخفي شيئاً من زيد، وأنا أكره أن يسمع زيد ذلك. (المجلسيّ: بحار الأنوار, ج 98, ص 112- 113).
[8] ابن قولويه: كامل الزيارات, ص 458- 459.
[9] الطوسيّ ابن حمزة: الثاقب في المناقب, ص 542- 543.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى