مقالات

بحث روائي _ المنهج الأخلاقي في الإسلام

{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133 – 138].

في المجمع : عن النبي (صلى الله عليه واله) أنه سئل إذا كانت عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار ؟

فقال (صلى الله عليه واله) : ” سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل”.

أقول : روى السيوطي أيضاً في الدر المنثور هذا الجواب منه (صلى الله عليه واله) إقناعياً إسكاتيا .

يمكن أن يكون على وجه التحقيق ، بأن نقول إن خلق النار تبع لخلق الجنة ، فهي لا تنفك عنها ، كما أن خلق الليل لا ينفك عن خلق النهار ، وأما وجه التبعية ، فلقوله تعالى : { وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا } [غافر: 7] ، و ” سبقت رحمته غضبه ” .

وفي الخصال : عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى : { أعدت للمتقين } ، قال (عليه السلام) : ” إنكم لن تنالوها إلا بالتقوى”.

أقول : لما تقدم من أن التوقى سبب لحصول الجنة فلا يعقل نيلها إلا بالتقوى ، ولا بد من تعميم التقوى إلى التوبة والاستغفار ، كما في صدر الآية الشريفة.

وفي الكافي : عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ” ما من عبد كظم غيظا إلا زاده عزاً في الدنيا والآخرة ، قال الله عز وجل : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران : 134]

وفي الكافي – أيضا : عن الصادق (عليه السلام) قال : ” قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : عليكم بالعفو، فإنه لا يزيد العبد إلا عزا ، فتعافوا يعزكم الله “.

أقول : لأن العفو من صفات الله تعالى ، فيعز العبد العافي بعزه ، ويأتي في الموضع المناسب شرح ذلك.

وفي المجمع والإرشاد للمفيد : ” أن جارية لعلي بن الحسين (عليه السلام) جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها ، فقالت له الجارية : إن الله تعالى يقول : والكاظمين الغيظ ، فقال لها : كظمت غيظي.

قالت : والعافين عن الناس.

قال : عفا الله عنك.

قال : والله يحب المحسنين.

قال : اذهبي فأنت حرة لوجه الله “.

أقول : رواه السيوطي في الدر المنثور أيضاً عن البيهقي ، والحديث يدل على أن الإحسان امر زائد على أصل العفو ، ومثل ذلك كثير في العالمين العاملين بعلمهم.

وفي الكافي وتفسير العياشي : عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى : { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا } [آل عمران : 135] ، قال (عليه السلام) : ” الاصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ، ولا يحدث نفسه بتوبة ، فذلك الإصرار “.

أقول : الأحاديث في ذلك كثيرة ، وقد تقدم ما يشهد لذلك ، وسيأتي ما يرتبط بذلك أيضا.

وفي تفسير العياشي في حديث قال : ” وفي كتاب الله نجاة من الرديء وبصيرة من العمى ، وشفاء لما في الصدور في ما أمركم الله به من الاستغفار والتوبة ، قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران: 135] .

وقال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء : 110] .

فهذا ما أمر الله به من الاستغفار واشترط معه التربة والإقلاع عما حزم الله ، فإنه يقول : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر : 10] وبهذه الآية يستدل على أن الاستغفار لا يرفعه الله إلا بالعمل الصالح والتوبة “.

أقول : تقدم مكرراً أن العمل الصالح من الإيمان ، فلا إيمان إلا به.

وفي المجالس : عن عبد الرحمن بن غنم الدوسي في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً } [آل عمران: 135] ، نزل في بهلول النباش وكان ينبش القبور فنبش قبر واحدة من بنات الأنصار فأخرجها ونزع أكفانها – وكانت بيضاء جميلة – فسول له الشيطان فزنى بها ثم ندم ، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه واله) فرده ثم اعتزل الناس وانقطع عنهم يتعبد ويتبتل في بعض جبال المدينة ، حتى قبل ونزل فيه القرآن.

وفي أسباب النزول للواحدي : عن ابن عباس في رواية عطا قال :

انزلت الآية وهي قوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً } [آل عمران: 135] في نبهان التمار أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمرا ، فضمها إلى نفسه وقبلها ثم ندم على ذلك ، فأتى النبي (صلى الله عليه واله) وذكر ذلك له فنزلت هذه الآية “.

أقول : قد وردت روايات متعددة في شأن هذه الآية ، وهي على فرض صحتها لا تكون مخصصة للآية ، بل هي بعمومها تشمل كل فاحشة تاب صاحبها عنها.

وفي المجالس : عن الصادق (عليه السلام) قال : ” لما نزلت هذه الآية { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً } [آل عمران : 135] ، صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور ، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا له : يا سيدنا لم تدعونا ؟

قال : نزلت هذه الآية فمن لها ؟

فقام عفريت من الشياطين فقال : أنا لها بكذا وكذا.

فقال : لست لها.

فقام آخر  فقال: مثل ذلك.

 فقال : لست لها.

فقال الوسواس الخناس : أنا لها. بماذا ؟

قال : أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة ، فإذا واقعوها أنسيتهم الاستغفار.

فقال : أنت لها ، فوكلها بها إلى يوم القيامة “.

أقول : روي مثله من طرق الجمهور أيضا.

المصدر : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى