مقالات

المرأة وحق التعلم والعمل ضمن الرؤية الإسلامية

إنّ طلب العلم واكتساب المعرفة والثقافة في الإسلام لا يقتصر على الرجال دون النساء، بل هي دعوة إلى الجميع ومن حقِّ الجميع. فعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم”: طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم ومسلمة”([1]).

وعنه صلى الله عليه واله وسلم ـ أيضاً ـ قال: “من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها، وعلّمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم الله الّتي أسبغ عليه كانت له منعة وستراً من النار”([2]).

إذاً من حقِّ المرأة في الإسلام طلب العلم والتزوُّد بالمعرفة، فهذه هي السيِّدة الزهراء عليها السلام قدوة نساء العالمين، كان من ألقابها العالمة.

ولكنّ السؤال: ما هي ضوابط وأولويّات التعلُّم بالنسبة للمرأة؟

الجواب:

أ- إنّ الإسلام عندما أعطى المرأة حقَّ طلب العلم، فإنّه أراد منها أن يكون ذلك في ظلِّ التمسُّك بحجابها ومراعاة الأحكام الشرعيّة، وعدم التأثُّر بالدعايات الباطلة الّتي تقول بأنّ العلم يتعارض مع حجابها ودينها.

ب- يرى الإسلام ضرورة تعلُّم المرأة وأهميّته، وذلك لجهة ما له من أثرٍ عظيم في تربية أجيال الأمّة. يقول الإمام الخميني دام ظله”: إنّ المرأة كالقرآن كلاهما أوكل إليه مهمّة صنع الإنسان”.

من هنا كان من أولويّات طلب العلم بالنسبة للمرأة، هو التزوُّد بالمعارف الإسلاميّة (كالعقائد والفقه والأخلاق)، وبالتحديد كلّ ما يتعلّق بالحياة الزوجيّة والأسريّة.

ج- كما أنّ من أولويّات طلب العلم بالنسبة للمرأة، هو التخصُّص في العلوم الّتي تتعلّق بالنساء، كالتخصُّص في الطبِّ بكافّة مجالاته وفروعه، حيث يترتّب على ذلك أثر مهمّ في المجتمع، ويدفع عن النساء الحرج والاضطرار وعدم الذهاب إلى الرجل مع وجود امرأة طبيبة.

د- أمّا بالنسبة لتعلُّم الفنون: كالخطّ، والرسم، والحياكة وما شابه ذلك، فإنّه لا مانع منه في الإسلام، كما لا يمنع الإسلام المرأة من حقِّ ممارسة الرياضة.

نعم، هناك بعض الفنون أو الألعاب الرياضية حرّم الإسلام مزاولتها، لما فيها من فساد وانحراف وتلويث للكرامة، وذلك من قبيل: الغناء والرقص… الخ.

حقُّ العمل والتملُّك
بالرغم من أنّ الإسلام لم يوجب على المرأة الإنفاق على نفسها أو على غيرها، لا في مرحلة وجودها في كنف أبيها، ولا حين تكون في كنف زوجها. ومع ذلك فقد أعطى الإسلام للمرأة حقّ العمل والتكسُّب والاستقلال الاقتصاديّ والماليّ عن الرجل (أباً أو زوجاً)، كما أعطاها حقّ التملُّك والتصرُّف بأموالها بصورة مستقلّة. قال تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ﴾([3]).

وفي حين عرفت المرأة المسلمة حقّها بالعمل والاستقلال الاقتصاديّ منذ ما قبل ألف وأربع مئة عام، فإنّ المرأة الأوروبيّة وبالتحديد الفرنسيّة، لم يُرفع الحجر عنها وعن أموالها إلّا في العام 1938م.

طبعاً، إنّ الإسلام حينما أعطى للمرأة حقّ العمل والتكسُّب، أوصاها بمراعاة الأحكام الشرعيّة والموازين الدينيّة، ومنها تجنُّب الاختلاط المحرّم، وخيرُ نموذج للمرأة العاملة ابنتا شعيب عليه السلام بما تحملانه من عفّة وحجاب، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ ([4]).

ففي قولهما:﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ تعليل لقصديهما للعمل، إذ هما لا أخ لهما ولا زوج، كما أنّ أباهما عاجز عن العمل، فأحوجهما الدهر أن تتصدّيا للعمل.

ولكنّ عملهما كان قمّة المراعاة والالتزام بالضوابط الشرعيّة، حيث ـ كما تُشير الآية ـ كانتا تعملان ولا تقفان مع الرِّعاء الأجانب حتّى لا يكون هناك اختلاط محرّم، بل تنتظران حتّى ينتهي الرجال من السقي فتسقيان.

وهنا تساؤل، ماذا لو تعارض حقّ المرأة في العمل مع حقّ الزوج في منعها من الخروج من المنزل؟

يقول الإمام الخامنئي دام الله ظله: “… الرجل يستطيع أن يمنع المرأة من الخروج من البيت بدون إذنه بشرط أن لا يكونا قد اشترطا أثناء العقد شرطاً يخالف هذا الحقّ “حقّ الزوج”… فمتى ما كان هناك شرطاً ضمن العقد فهذا بحث آخر. وإن خلا العقد من أيّ شرط فيجب على المرأة أن تطيع الرجل…”([5]).

المرأة حقوق وأدوار، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص 177.
([2]) المتقي الهندي، كنز العمال، ج 16، ص 452.
([3]) النساء: 32
([4]) القصص: 23.
([5]) الإمام الخامنئي دام الله ظله، مكانة المرأة في الإسلام، ص 23.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى