مقالات

لماذا شُرعت الصلاة؟

ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنَّه قال: “أَنَ‏ عِلَّةَ الصَّلَاةِ أَنَّهَا إِقْرَارٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ لِلَّهِ‏ عَزَّ وَجَلَّ وَخَلْعُ الْأَنْدَادِ وَقِيَامٌ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ جَلَّ جَلَالُهُ بِالذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْخُضُوعِ وَالِاعْتِرَافِ وَالطَّلَبُ لِلْإِقَالَةِ مِنْ سَالِفِ الذُّنُوبِ وَوَضْعُ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ إِعْظَاماً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ يَكُونَ ذَاكِراً غَيْرَ نَاسٍ وَلَا بَطَرٍ وَيَكُونَ خَاشِعاً مُتَذَلِّلًا رَاغِباً طَالِباً لِلزِّيَادَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الِانْزِجَارِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِئَلَّا يَنْسَى الْعَبْدُ سَيِّدَهُ وَمُدَبِّرَهُ وَخَالِقَهُ فَيَبْطَرَ وَيَطْغَى وَيَكُونَ فِي ذِكْرِهِ لِرَبِّهِ وَقِيَامِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ زَاجِراً لَهُ عَنِ الْمَعَاصِي وَمَانِعاً مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَاد”[1].

نستخلص من كلام الإمام عليه السلام أنّ الصلاة شُرّعت لعلل وأهداف محدّدة أوّلها إقرار المصلّي بأنّه عبد مربوب له ربٌّ واحد أحد فرد صمد هو الذي خلقه وبرأه..، وبإقراره بعبوديّة الله والكفر بكلّ الأنداد الذي اتخذها البشر أرباباً من دون الله تعالى يتحرّر من عبوديّة العبيد، وبهذه الطريق يجعل نفسه في سلك الموحّدين الأحرار، وثاني هذه الأهداف هو إقامة ذكر الله تعالى لأنّ الأذكار تُربّي في المسلم معاني العبودية لله، وتُحرّره وتنزع من قلبه كلّ معاني الطغيان، والتعلّق بغير الله، وثالث هذه الأهداف مستمدّ ممّا سبق، وهو حصول الرادع والوازع الزاجر الذي ينتج عن إقامة ذكر الله تعالى، فيكون مانعاً للعبد عن أنواع الفساد التي تتضمّن الفحشاء والمنكر، و…. وكل الأمراض والأوبئة الأخلاقية.

الصلاة الواجبة والمستحبّة
تبيّن لنا أنّ الصلاة هي أفضل وسيلة للسير والسلوك والتقرّب إلى الله سبحانه، والصلوات تُقسم إلى قسمين: واجبة، ومستحبّة، فالصلوات الواجبة أو الفرائض هي من قبيل: الصلوات اليومية، وصلاة الآيات، وصلاة الميت، وصلاة الطواف الواجب، وصلاة النذر وصلاة القضاء…وبعض أنواع الصلاة واجبة كفائيّاً[2] كالصلاة على الميت.

وأمَّا الصلوات المستحبّة أو النوافل فكثيرة، وأهمّها وأفضلها: الرواتب اليومية، وهي أربع وثلاثون ركعة على الشكل التّالي: نافلة الظهر ثماني ركعات قبل فريضة الظهر، نافلة العصر ثماني ركعات قبل فريضة العصر، نافلة المغرب أربع ركعات بعد فريضة المغرب، نافلة العشاء ركعتان من جلوس تُعدّان ركعة واحدة وتُسمّى الوتيرة، ونافلة الصبح ركعتان قبل فريضة الصبح، ونافلة الليل إحدى عشر ركعة.

وقد ورد في السنّة الشريفة الحثّ على نوافل معيّنة ترتبط بالمناسبات الزمانية والمكانية، كصلوات ليالي شهر رمضان المبارك، والصلاة عند زيارة قبور النبي وأهل بيته عليهم السلام، وكذلك صلاة تحيّة المسجد وغير ذلك من الصلوات المستحبّة.

ولأنّ الصلاة قربان كلّ تقي، وهي أفضل القربات إلى الله تعالى، فإنّها تُستحب ابتداءً، أي أن يتقرّب العبد كلّما شاء إلى الله بأداء ركعات من الصلاة، تبعث في قلبه الطمأنينة، وتُقرّبه إلى الله تعالى زلفى.

ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ ضرورة تقديم الفرائض على النوافل في معراج الكمال والسير نحو الله تعالى أمرٌ لا نقاش فيه، بل ورد في الرواية رفض النوافل إذا أضرّت بالفرائض كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام: “إِذَا أَضَرَّتِ‏ النَّوَافِلُ‏ بِالْفَرَائِضِ‏ فَارْفُضُوهَا”[3]. ولكن هذا لا يعني مطلقاً ترك النوافل وحرمان النفس من بركاتها وفوائدها الجمّة. وعلى المرء أن يترصّد قلبه دائماً ولا يُضيّع فرصة إقباله، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفّلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة”[4].

بغير حساب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الشيخ الصدوق، محمد بن علي‏، ابن بابويه، علل الشرائع‏، نشر مكتبة داوري‏، قم، الطبعة الأولى‏، 1427 هـ، ج‏2، ص 317.
[2] الواجب الكفائي هو العمل الذي يجب على الجميع ابتداء ويسقط عن الآخرين بفعل الغير له سواء كان واحداً أو جماعة.
[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص 286.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص454.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى