
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد …
فإن العزة تطلق في اللغة ويراد بها ثلاثة معانٍ هي ( القوة / الشدة / نفاسة القدْر )[1] ، وتُعرف اصطلاحاً على أنها (حالة مانعة للإنسان من أن يُغلب )[2] .
وتُعد صفة العزة من الصفات التي يجب على المؤمنين التحّلي بها لقوله تعالى : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [المنافقون: 8 ]؛ لذا يُحرم على المؤمن إذلال نفسه [3] بغية الحصول على الأمور الفانية الدنيوية أو خوفاً من تنحيته عن بعض الصلاحيات والمناصب فتراه يتذلل لأشخاص حتى تتحصن مكانته الدنيوية من الزوال ولا يفكر أن كل شيء فان .
ومن جانب آخر فإن العزة المطلقة والكاملة هي لله تعالى وحده دون غيره قال تعالى : {من كان يريد العزة فللّه العزة جميعاً } [فاطر: 10]، والمتأمل في النّصّين المباركين من سورة (المنافقون ) وسورة (فاطر) يجد أن المؤمن يجب أن يكون عزيزاً لكن ليس في كل حالاته ولعلّ السائل يسأل وكيف يكون هذا ؟ نعم أخي العزيز إذا نرجع إلى كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء كميل : (( وأنا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين ))[4] نجد أن الإنسان مأمور بالتذلل و تصعير خده إلى خالقه ومبتدئه وموجده من العدم ، وكذلك يأمرنا الله تعالى بالتذلل إلى الوالدين بقوله تعالى : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } [الإسراء / 24] .
لكن إذا نرجع إلى كلام سيد الساجدين الإمام السجاد (عليه السلام) نراه يُؤسس إلى أمر مهم وهو إيجاد الموازنة بين الذلة لله والعزة فيقول في دعاء مكارم الأخلاق : ( وَلا تَرْفَعْنِي فِيْ النَّاسِ دَرَجَةً إلاّ حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِرَاً إلاّ أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا ) [5] ، فتجد هناك ملازمة نفهمها من قول الإمام (عليه السلام) أنه كلما وجدنا رفعة واحتراما وتبجيلاً من الناس لنا ، فعلينا أن نتذلل بقدرها إلى الله تعالى ونصعّر خدنا ، ويمكن أن نفهم أن هناك علاقة طردية بين التذلل لله والعزة بين الناس ، فكلما ازددنا تذللا لله زادنا الله رفعة وعزة بين خلقه .
ولعل بعضهم يُشكل ويقول كيف نفهم الذلة في قوله تعالى : { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } [المائدة / 54 ] ، فكيف يكون المؤمنون أذلاء بعضهم لبعض ؟ ، فيأتي الجواب هنا إن الذلة الواردة في النص القرآني المذكور ليس المراد منها الذلة في قِبال العزة ، وإنما يقصد بها الرحمة أي رحماء على المؤمنين [6] فانتبه ! .
فمن هذا كله نخلص بالقول إلى أن :
- العزة من الصفات التي حث القرآن الكريم عليها ويجب أن لا نذل أنفسنا ابتغاء المصالح الدنيوية .
- المؤمن عزيز في كل حالاته سوى التذلل لله وللوالدين ، وأما العزة المطلقة فهي لله سبحانه .
- الموازنة التي نظّرّ لها الإمام السجاد (عليه السلام) بين التذلل لله والرفعة والعزة بين الخلق يجب أن تأخذ لها مجرى في حياتنا .
- الذلة الواردة في قوله تعالى { أذلة على المؤمنين } المقصود منها الرحمة .
المصادر :
* القرآن الكريم .
- تاج العروس / الزبيدي .
- الصحيفة السجادية.
- لسان العرب / ابن منظور .
- مجمع البيان / الطبرسي .
- المسائل المنتخبة / السيد السيستاني .
- مصباح المتهجد/ الطوسي .
المصدر : موقع العتبة العلوية المقدسة .