مقالات

الدرس الحسيني ووظيفة الأجيال

إن الإمام الحسين عليه السلام قد ثار وأدى واجبه عملياً ليكون درساً للجميع وقد تتوفر الظروف المناسبة لأي أحد للقيام بهذا العمل على مر التاريخ، طبعاً الظروف لم تكن مواتية في عصر سائر الأئمة عليه السلام من بعد الإمام الحسين عليه السلام ، وهذا الأمر له تفسير وهو وجود أعمال مهمة أخرى وجب القيام بها، فلم تتوفر هذه الظروف بعد ذلك في المجتمع الإسلامي إلى أواخر عصر الأئمة عليه السلام وبداية عصر الغيبة، لكن قد تتوفر مثل هذه الظروف في الدول الإسلامية على مرّ التاريخ، وقد تكون الأرضية في بعض أقطار العالم الإسلامي ـ الآن ـ مهيّأة لقيام المسلمين بذلك أيضاً، فإن قاموا بذلك، فقد صانوا الإسلام وضمنوا بقاءه، وقد يواجه واحد أو اثنان الفشل، لكن عندما يكثر هذا التغيير وهذه الثورة والحركة الإسلامية، فثقوا باجتثاث جذور الفساد والانحراف.

إن الإمام الحسين عليه السلام قد علّم التاريخ الإسلامي درساً عملياً عظيماً ، وضمن بقاء الإسلام في عصره وسائر العصور، فأينما وجد مثل هذا الفساد، كان الإمام الحسين عليه السلام حياً حاضراً هناك يعلمنا بأسلوبه وفعله ما يجب علينا عمله، لهذا يجب أن يبقى إسم الحسين عليه السلام حياً وتبقى ذكرى كربلاء حيّة، لأن ذكرى كربلاء تجعل هذا الدرس العملي نصب أعيننا.

ومع الأسف إن درس عاشوراء ليس معروفاً في سائر الدول الإسلامية كما ينبغي، لقد كان معروفاً في بلدنا وكان الناس يعرفون الحسين عليه السلام وثورته.لقد كانت الروح الحسينيّة موجودة لهذا لم يعجب الناس عندما قال الإمام قدس سره إن محرم هو شهر انتصار الدم على السيف، وهي الحقيقة، وانتصر الدم على السيف.

لقد قلت هذه المطالب في مجلس قبل الثورة بـ 25 عاماً تقريباً، قلت للإخوة والأخوات أن أيها الأعزة، بأي لسان يقول الحسين عليه السلام ما هو تكليفكم؟ فالظروف هي تلك الظروف، والحياة هي تلك الحياة، والإسلام هو ذلك الإسلام، والإمام الحسين عليه السلام قد بيّن عملياً وظيفة كل الأجيال، ولو لم تنقل كلمة واحدة عن الإمام الحسين عليه السلام لوجب علينا أن نعرف تكليفنا. إن الشعب المكبّل بالقيود وفي مفاسد حكامه، الشعب المتسلّط على رقابه والقابض على زمام أموره أعداء الدين، وجب عليه أن يدرك تكليفه، لأن سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام المعصوم قد علَّما ما يجب علينا فعله في مثل هذه الظروف، ولم يكن ذلك باللسان، فلو قال ذلك بمائة لسان ولم يثر هو لنا، أمكن أن يمرّ هذا النداء عبر التاريخ، فالنصيحة والأقوال ليستا اللتين تمرّان عبر التاريخ فقط، فهناك الآلاف من التعابير، بل يجب القيام بعمل عظيم وصعب كهذا وتضحية عظيمة وأليمة كالتي قام بها الإمام الحسين عليه السلام ، والحقيقة فإن ما هو أمام أعيننا من واقعة عاشوراء التي لا نظير ولا مثيل لها بين جميع الحوادث والفواجع البشرية، وكما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليعليه السلام والإمام الحسن عليه السلام على ما ورد في الروايات “لا يوم كيومك يا أبا عبد الله”.

كان المجتمع الذي ثار فيه الحسين قابعاً تحت وطأة ثقلية من الاستبداد والطغيان، ويمارس فيه الحكام ألوان البطش والتنكيل بحق كل من يترجسون منهم معارضة لسلطانهم.

في مثل هذا الجو، ثار الحسين عليه السلام مع جماعة قليلة من خواص أصحابه وأهل بيته، وأدّى واجبه الإلهي بكل شجاعة وصبر وصمود وعزة، وترك لكل الأجيال المسلمة على مرّ التاريخ درساً عملياً ناطقاً صارخاً.

حادثة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته كشفت عن منتهى الوحشية والفظاعة والقسوة والانحطاط الخلقي وموت الضمير في قتلته الظالمين، كما تركت للتاريخ أروع صورة منقطعة النظير من السمو الإنساني والارتفاع الخلقي وعزة النفس وعظمة الروح والتضحية في سبيل المبدأ لدى الثائرين في سبيل الله وفي سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أرض كربلاء.

يا أبناء أمتنا الإسلامية؟ درس الحسين عليه السلام ملك لجميع المسلمين على مرّ الأجيال، والتحرك الحسيني في كل عصر يضمن بقاء الإسلام وعزة المسلمين، الحسين عليه السلام أدى رسالته في أقسى الظروف كي لا يبقى لأحد عذر إن قست عليه الظروف، وببركة دماء الحسين وبعد استشهاده مباشرة توالت الثورات في العالم الإسلامي حتى أدَّت إلى انهيار الحكم الأموي المرواني الغاشم.

وهذا الذي حدث بعد واقعة كربلاء، درس آخر يوضح للمسلمين أن الاستشهاد في سبيل الله ـ وان كان يبدو في النظرة السطحيّة فشلاً وهزيمة ـ قادر على أن يزلزل عروش الظالمين وان يضمن بقاء مسيرة قمع الباطل واقامة الحق في المجتمع الإسلامي.

إن الشعب الإيراني المسلم نهض بثورته الإسلامية الكبرى مستلهماً روح الحسين عليه السلام ، والإمام الراحل قدس سره أعلن أن شهر محرم شهر انتصار الدم على السيف، وانتصر الدم على السيف، واقتلعت من الجذور الحكومة الملكية الظالمة في إيران المدعومة دعماً كاملاً من أمريكا والغرب والتي كان للكتلة الشرقية ـ الموجودة يومئذ ـ أيضاً معها روابط ودّية، قلعها الشعب من الجذور، ورفع راية الإسلام خفّاقة على هذا الجزء من أرض ملتنا الإسلامية.

ويوم عاشوراء هو بالنسبة لأبناء الأمة إضافة إلى ما فيه من دروس، يوم شكر أيضاً، شكر لله سبحانه وتعالى أن وضع شرعة الجهاد التي سار عليها الحسين عليه السلام ليصون الأمة من الذل والهوان، الشكر له سبحانه وله المنّة أن جعل الأمة تقتدي بالإمام الحسين عليه السلام وتستلهم من روح عاشوراء ما يعينها على تسجيل ملحمة بطولة كبرى من ملاحم الثائرين الرساليين في التاريخ، الشكر لله سبحانه وله المنّة أن جعل روح الحسين عليه السلام حيّة بين جماهير امتنا بعد انتصارها على طاغوت إيران تتحدى طواغيت العالم وتصدم بوجه مؤامراتهم ودسائسهم ومكائدهم، وتقدم لكل الأمة الإسلامية مثلاً أعلى لمن يريد العزّة تحت ظل راية الإسلام.

*الثورة الحسينية,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,الطبعة الاولى نيسان,2001/1422-ص:82

المصدر : شبكة المعارف الاسلامية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى