مقالات

بين الثقة بالنفس والتوكّل على الله!

إن الأخلاق الإسلاميّة تتخطّى حدود وقيود صفات من قبيل: “الثقة بالنفس” أو “عزة النفس”. فهي موجهة لتسير بصاحبها باتّجاه التوحيد بجيث لا تبقى محصورة ضمن القيود السالفة الذكر. إذن ففي حيّز الأخلاق التوحيديّة يتعيّن القول: على الرغم من أنّ الإنسان ينبغي أن لا يشعر بالحاجة إلى غيره من البشر، لكن يتحتّم عليه أن يعتقد بأنّ كلّ وجوده هو بحاجة إلى الله تعالى.

ففي ذات الوقت الذي يحسّ المؤمن بعدم الاعتماد على الآخرين فإنّ كلّ توكّله يكون على الله عزّ وجلّ، فالثقة بالنفس والاعتماد عليها هو عملة ذات وجهين، وجه سلبيّ ووجه إيجابيّ، فثقة المرء بنفسه تكون مطلوبة عندما لا يكون متّكلاً على الآخرين، والسؤال هنا هو: إذن فبأيّ شخص نثق وعلى مَن نتّكل؟ والجواب على هذا السؤال بما ينسجم مع الأخلاق العامّة هو: كن واثقاً بنفسك.

أمّا وفقاً للأخلاق التوحيديّة فيُقال: ينبغي أن لا يكون اعتمادك إلاّ على الله وأن لا تنظر إلى نفسك على الإطلاق، بل إنّ أولياء الله يَصِلون إلى درجة لا يعتمدون فيها حتّى على الملائكة، كما حصل في قصّة إبراهيم الخليل عليه السلام. فعندما أرادوا قذفه في النار أتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: “هل لك من حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا”[1]. فإنّ لي حاجة لكنّ حاجتي إلى الله فحسب، ومن هنا فقد وصل إبراهيم عليه السلام بعد مقامي النبوّة والرسالة إلى مقام “الخُلّة” فأصبح خليل الله سبحانه.

إذن علينا أن نحفظ مثل هذه الروحيّة في أنفسنا وهي أنّ المرء ليس فقط لا ينبغي أن يتّكل على غيره من البشر، بل عليه أن لا يعتمد حتّى على جبرئيل والملائكة، وليقل: إنّني عبدٌ ولي ربّ، ولا يُلبّي حاجتي إلاّ ربّي. فما الذي بمقدور الآخرين صنعه؟!

إذن لا ينبغي أن نخلط بين مبحث الثقة بالنفس والاعتماد عليها المطروح في علم النفس وبين التوكّل على الله تعالى، فنطاق هذين الموضوعين مختلف، ذلك أنّ قضيّة الثقة بالنفس محصورة في حدود القيم الإنسانيّة العامّة، لكن عندما يدور الكلام حول القيم التوحيديّة، فلا بدّ أن يحُلّ التوكّل على الله والاعتماد عليه محلّ الثقة بالنفس”[2].

المهتدون، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 11، ص 62.
[2] من محاضرة لسماحة آية الله الشيخ مصباح اليزديّ ألقاها في مكتب الإمام الخامنئي في قم بتاريخ 12 آب، 2011 م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى