مقالات

الدليل الفلسفي على وجود النبوة

أولا ما أقامه صدر المتألهين وهو متكون من عدة مقدمات

المقدمة الأولى :أن لنا نحن جميع الموجودات خالقا صانعا قادرا على كل شي

المقدمة الثانية :أن الصانع الخالق جل اسمه متعال عن التجسيم ولا يتعلق بالمواد والاجسام ولايكون مبصرا ولا محسوسا

المقدمة الثالثة :انه تعالى حكيم عالم بوجوه الخير والمنفعة في النظام

المقدمة الرابعة :أن له تعالى وسائط في الإيجاد والتأثير والخلق والتدبير ، لامتناع مباشرة الأفعال بمزاولة المواد والكثرات على الواحد الحق المقدس

المقدمة الخامسة :يحتاج الناس في معاشهم ومعادهم إلى من يدير أمرهم ويعلمهم طرق المعاش في الدنيا والنجاة في الآخرة

وذلك لأن الإنسان لايستطيع العيش لو انفرد وحده شخصا واحدا ، كغيره من أنواع الحيوان ، بحيث يتولى أمر نفسه من غير شريك يعاونه على ضرورات حاجته ، فالإنسان لابد أن يكون مستعينا بشخص آخر من نوعة ويكون ذلك الآخر أيضا مستعينا مكفيا به وبنظيره فيكون هذا يزرع لهذا وهذا يطحن لذلك وذاك يخبز للآخر وآخر يخيط لغيره. .حتى إذا اجتمعوا كان أمرهم مكفيا ولهذا اضطروا إلى عقد المدن والتجمعات من أجل المعاملات والزواج وسائر الأمور ذات الطابع التعاوني والتعاضدي

وبالجملة لابد من وجود الإنسان وبقائه من مشاركة الآخرين ولا تتم المشاركة إلا بالمعاملة والمعاملة تحتاج إلى سنة وقانون عدل ولابد للسنة والقوانين العادلة من شخص عادل يسن ويقنن ولا يجوز أن يترك الناس واراءهم واهواءهم في ذلك فيختلفون فيرى كل واحد منهم ماله عدلا وما عليه ظلما وجورا ، ولابد أن يكون هذا العدل والسان بشرا ملكا لأن الملك لايراه الناس مالم يتجسم لأنه روحاني الذات لايتمثل بشرا سويا إلا من طريق الباطن لأهل النبوة والكشف ، فلابد أن يكون إنسانا بشرا والحاجة إلى هذا الإنسان والتي تتمثل في بقاء نوع الإنسان وتحصل وجوده لهي أشد من كثير من المنافع التي لاضرورة فيها لبقاء النوع

ووجود هذا الإنسان الصالح لأن يسن ويشرع هو ممكن وتأييده بالآيات والمعجزات التي توجب اذعان الخلق هو أمر ممكن أيضا وبما أن فيه مصلحة وبقاء النوع والله عالم قادر فلابد أن يفعل ذلك بأن يقيم انسانا يسن ويشرع ويحفظ وجود النوع الإنساني وان يؤيده بالمعاجز والكرامات والآيات

ثانيا ما أقامه ابن سينا رحمه الله :وهو قريب من رأي صدر المتألهين قدس ويتكون أيضا من مقدمات ضرورية

أولا .الإنسان اجتماعي بالطبع

ثانيا .الاجتماع يقتضي التعاون والاشتراك والاشتراك لابد من المعاملة والمعاملة تقتضي قانونا عدلا

ثالثا. القانون يحتاج مقنن وسان له فواجب أن يكون نبي وواجب أن يكون إنسانا وواجب أن تكون له خصوصية ليست لسائر الناس حتى يستشعر الناس فيه أمرا لايوجد لهم فيتميز به منهم فتكون له المعجزات التي أخبرنا به

ما اقامه الفيلسوف الاسلامي محمد باقر الصدر لاثبات النبوة

كما ثبت الصانع الحكيم بالدليل الاستقرائي ومناهج الاستدلال العلمي كذلك تثبت نبوّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدليل العلمي الاستقرائي، وبنفس المناهج التي نستخدمها في الاستدلال على الحقائق المختلفة في حياتنا الاعتيادية وحياتنا العلمية.

ولنمهّد لذلك بأمثلة أيضاً:

إذا تسلّم الإنسان رسالةً من أحد أقاربه، وكان هذا القريب صبيّاً يدرس في مدرسة ابتدائية بأحد الأرياف، فلاحظ الإنسان الذي تسلّم الرسالة أنّها قد كتبت بلغة حديثة وبعبارات مركّزة وبليغة وبقدرة فنيّة فائقة على تنسيق الأفكار وعرضها بصورة مثيرة، إذا تسلّم الإنسان رسالةً من هذا القبيل فسوف يستنتج أنّ شخصاً مثقّفاً واسع الاطّلاع قوي العبارة قد أملى الرسالة على هذا الصبي، أو شيئاً من هذا القبيل. وإذا أردنا أن نحلّل هذا الاستنتاج والاستدلال نجد أنّ بالإمكان تجزئته إلى الخطوات التالية:

الاُولى: أنّ كاتب الرسالة صبي ريفي ويدرس في مدرسة ابتدائية.

الثانية: أنّ الرسالة تتميّز باُسلوب بليغ ودرجة كبيرة من الإجادة الفنّية وقدرة فائقة على تنسيق الأفكار.

الثالثة: أنّ الاستقراء يثبت في الحالات المماثلة أنّ صبيّاً بتلك المواصفات التي تقدّمت في الخطوة الاُولى لا يمكنه أن يصوغ رسالةً بالمواصفات التي لوحظت في الخطوة الثانية.

الرابعة: يُستنتج من ذلك إذن أنّ الرسالة من نتاج شخص آخر استطاع ذلك

الصبيّ بشكل وآخر أن يستفيد منه ويسجّله في رسالته.

ومثال آخر للفكرة نفسها من الأدلّة العلمية: وهو الدليل الذي أثبت به العلماء الالكترون، فقد درس بعض العلماء نوعاً معيّناً من الأشعة ولّدها في اُنبوبة مغلقة، ثمّ سلّط على وسط الاُنبوبة قطعة مغناطيس على شكل نعل الفرس، فلاحظ أنّ الأشعّة تميل إلى القطب الموجب من المغناطيس وتبتعد عن القطب السالب منه، وكرّر التجربة في ظروف مختلفة حتى تأكّد من أنّ تلك الأشعّة تنجذب بالمغناطيس، وأنّ القطب الموجب في المغناطيس هو الذي يجذبها.

ولمّا كان هذا العالم يعرف باستقرائه ودراسته للإشعاعات الاُخرى ـ كالضوء الاعتيادي ـ أنّها لا تتأثّر بالمغناطيس ولا تنجذب إليه وأنّ المغناطيس يجذب الأجسام لا الأشعة، أمكنه أن يدرك أنّ انجذاب الأشعة المعيّنة التي كان يجري عليها تجاربه وميلها إلى القطب الموجب من المغناطيس لا يُمكن أن يفسّر على أساس المعلومات المفترضة.

ومن هنا اكتشف عاملا إضافياً وحقيقةً جديدة، وهي أنّ هذه الأشعة تتأ لّف من أجسام دقيقة سالبة موجودة في جميع المواد؛ لأنّها تنبعث من مختلف المواد، وسمّيت هذه الجسيمات بالألكترونات.

وتتلخّص عملية الاستدلال في كلا هذين المثالين ـ مثال الرسالة ومثال الألكترون ـ في أنّه كلّما لوحظت ظاهرة معيّنة ضمن عوامل وظروف محسوسة، ولوحظ استقرائياً أنّ هذه العوامل والظروف المحسوسة في الحالات المماثلة لا تؤدّي إلى نفس الظاهرة، فيدلّ ذلك على وجود عامل آخر غير منظور لابدّ من افتراضه لتفسير تلك الظاهرة.

المصدر:مركز الامام الصادق للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى