مقالات

التشدد الفكري عند المعتزلة … الحلقة الثانية

قلنا ان المعتزلة بسبب الإفراط بالأحكام العقلية وتغليب جانب العدل الإلهي وليس الرحمة الإلهية وقعوا في تشدد كبير مما قد يكون سببا في تغييب مذهبهم الفكري ، وان كان قد نشط في الآونة الأخيرة تحت مسمى المعتزلة الجدد.

ولنتحدث عن موضوع مهم قدمنا له بمقدمة سابقة الا وهو موضوع الإحباط والتكفير والموازنة

وقبل ذلك لنشرح معاني هذه الكلمات ومقصودهم بها ثم بيان أقوال المذاهب الإسلامية وبعض العلماء.

معنى الإحباط هو الأبطال  لغة اما اصطلاحا فهو ابطال الحسنة السابقة بذنب لاحق ، أما التكفير فمعناه لغة التغطية والستر اما اصطلاحا فهو تغطية وستر وغفران الذنب السابق بحسنة لاحقة  ، اما الموازنة فهي رأي العالم المعتزلي ابو هاشم وهو موازنة أعمال العبد وايهما غلب كان الحكم له ، حيث قال اذا صدر منه خمسة ذنوب وعشرة حسنات يوازن الله ويسقط خمسة في قبال خمسة فتبقى خمسة حسنات هي التي يجازيه بها ، وهكذا العكس ، في قبال ابو علي الجبائي الذي قال الغالب هو الأخير اي الذي يأتي لاحقا فإذا جاءت الحسنة كفرت عن السيئة واذا جائت السيئة أحبطت الحسنة.

اما علمائنا الأمامية فلم يؤمنوا بذلك ولهم رأي آخر حيث لم يقولوا بالإحباط اي السقوط نهائيا ولا بالتفكير نهائيا ، بل كل بحسبه ، تحت حكم العقل وتحت نص الشرع الذي يقول (من يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره )

ماهو موضع التشدد في هذا المجال

قال المعتزلة بالإحباط والتكفير والموازنة ، ولهم قاعدة أخرى تأتي مع هذه القضية فيتبين مستوى التشدد لديهم وهي قاعدة مرتكب الكبيرة منزلة بين المنزلتين لاهو كافر كما قال الخوارج ، ولا هو فاسق كما قال الأشاعرة والامامية بل لا كافر ولا فاسق ومخلد في نار جهنم ، وعندها تكون القضية جدا خطيرة ، ولنفترض ان إنسانا قضى عمره في الطاعات ثم صدرت منه ذنوب في آخر عمره فقد حبط عمله نهائيا ، ثم كانت الذنوب هي الحاكمة عليه دون النظر إلى الحسنات ، وإذا جائت قاعدة مرتكب الكبيرة مخلد في نار جهنم كان مصير هذا الإنسان الخلود في نار جهنم! !

اما الأمامية فقالوا مقتضى العدل الإلهي والإحسان والنص الشرعي يقال إنه تتم محاسبته على الذنوب وحسانته لا تسقط بل قد تبقى يثاب عليها بحسب قاعدة الآية  (من يعمل مثقال ذرة خير يره )ووقد قالوا إنه يحاسب أولا ثم يدخل الجنة لأن من دخل فيها لايخرج منها ، وهذا أمر معروف ان الانسان قد يذوق العذاب ثم تشمله الرحمة الإلهية.

وهكذا لو جئنا إلى قانون الموازنة فلو صدر من العبد خمسة حسنات وعشرة ذنوب فإنه بالموازنة تسقط الحسنات مع الذنوب وتبقى خمسة ذنوب يحاكم عليها وهي كبائر فيخلد في نار جهنم ، بينما العدل يقول لما تسقط الحسنات مع السيئات يل يعاقب على السيئات وتبقى حسناته بحسب وجوب الوعد على الله فيثيبه على ذلك وان قد يكون قضى في العذاب سنينا ، وهكذا لو صدر منه خمسة ذنوب وعشرة حسنات تسقط الذنوب ، نقول لما تسقط قيد يعاقب عليها حسب قول الله (من يعمل مثقال ذرة شر يره ) ولا نوجب هنا نحن على الله في جانب الوعيد بل نقول جائز الإسقاط لأنه تفضل ورحمة والله ارحم الراحمين.

إذن التكفير يوقعنا بقضية زوال الذنوب مطلقا والإحباط يوقعنا بقضية زوال الحسنات مطلقا وهكذا الموازنة ، وبذلك ينغلق على العبد الكثير من أبواب الرحمة الإلهية خصوصا لو كانت الذنوب أكثر من الحسنات وهو أكثر الخلق ، أو يكون قد ختم عمره بالذنوب وهو كثيرا مايقع بسبب غفلة الإنسان ، فالعبد رهن التصفير ، بينما بحسب الشيعة له رصيد محفوظ من الحسنات وهي واجبة الإثابة وأيضا رصيد من السيئات وهي غير  واجبة العقاب بل يمكن ان يسقطها الله برحمته وبالشفاعة مثل شفاعة النبي ص لأهل الكبائر.

المصدر:مركز الامام الصادق للدراسات التخصصية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى